بهذا الإصرار العجيب على مقاطعة السرايا ومن فيها، وما يحدث فيها من لقاءات واجتماعات ومحاورات، يبدو كميل شمعون وكأنه “يرفضط أن يكون “منقذاً” ويفضل أن يكون (طرفاً)، مفترضاً أن ليس للإنقاذ جمهور ماروني عريض بينما ميليشيا “النمور” قادرة على استجلاب الجمهور والتأييد وفتح الطريق إلى … بعبدا!
أي إن شمعون يحاول أن يعود إلى رئاسة الجمهورية من الباب ذاته الذي خرج منه قبل 17 عاماً: باب الانحياز لفئة بدل أن يكون للجميع، وتقصد أن يكون طرفاً طائفياً مقاتلاً ضد الآخرين بدل أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين ورمزاً للوطن.
ولعله، لهذا كله، يحاول إغراء الرئيس سليمان فرنجية، ويومياً، بسلوك طريق الانحياز والفئوية والتورط المباشرفي الأحداث من موقع الطرف وليس من موقع الأب والرئيس والحكم والمرجع والمسؤول الأخير عن حياة المواطنين ومصير الوطن.
وكميل شمعون حر، بالطبع، في اختيار الطريق التي يراها الأنسب لمصالحه وأغراضه، يستوي في ذلك الاتجاه بالأسلحة (خفيفها والثقيل) أو الطمع بالعودة إلى جنة الرئاسة،
لكن كميل شمعون ليس حراً، ولا يجب أن يكون حراً في ممارسة هذه الأدوار جميعاً من موقع المسؤولية، أي من موقع الحاكم، وبالتحديد من وزارة الداخلية.
من حق كميل شمعون – الطرف أن يتمثل في لجان الارتباط وفي لجان الأمن المشتركة وما تفرع عنها، وكذلك في هيئة الحوار الوطني ولجانها الإصلاحية،
هو في هذا مثله مثل الكتائب، ومثل جبهة حراس الأرزة التي أعطيت بالأمس بطاقة عضوية كطرف مارونيمقاتل،
لكن ما ليس من حق كميل شمعون هو أن يظل في وزارة الداخلية فيكون خصماً وحكماً وحاكماً ومنفذ الأحكام في آن!
وقد تكون الوزارة “أصغر” من أن تملأ عين صاحب الفخامة السابق، وكذلك “الإنقاذ”… لكن استعادة المنصب الفخم “أكبر” من أن تتم بواسطة السلاح وكتيبة (النمور) والحزب – القبيلة.
ثم إن مقعد الوزارة “أضيق” من أن يتسع للخصم والحاكم معاً، فليتركه شمعون إذن فيرتاح ويريح.
إن خروجه منه لن يزيد في عدد المقاتلين ضد الاصلاح والتطوير وحلم لبنان الوطن، فهو – عملياً – في عداد هؤلاء المقاتلين منذ أول طلقة رصاص،
لكن خروجه سيزيد من وضوح وفي تيسير عملية الفرز بحيث يعرف اللبنانيون – كل اللبنانيين – ما يجب أن يعرفوه عن المسؤولية وأصحابها.. وهكذا تتم المحاسبة في ضوء المعرفة الدقيقة لمواقف كل سياسي ولمواقع كل شريط وكل طرف وكل منتفع بالمحنة، مادياً ومعنوياً وانتخابياً.
وتصرف شمعون يكشف إنه ما جاء لينقذ لبنان بل لينقذ حصته من زعامة الشارع المسيحي، والماروني تحديداً، ولو على حساب لبنان كله. والمنطقي ألا يكافأ على إنجازه هذا باستمراره على رأس الوزارة التي يفترض فيها حماية لبنان من ممزقيه وهادمي نظامه الفريد!
… هذا إلا إذا كان فخامته يرى المدخل للإنقاذ في نسف حكومة الإنقاذ،
وتلك مسألة فيها نظر، وفيها غير شمعون من أصحاب الفخامة، وأهل الفرض في الشارع الماروني وما جاوره من شوارع وأزقة حاكمة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان