حتى هذه اللحظة لم نستطع إدراك كنه الحكمة العميقة المتوخاة من “اختيار” هنري لحود محافظاً للبقاع بالوكالة (عمن؟).
كما إننا لم نستطع إدراك كنه الحكمة العميقة الأخرى المتوخاة من إنزال الجيش في محافظتي البقاع والشمالن مع تركيز في الأولى على منطقة زحله وما جاورها، وفي الثانية على منطقة عكار.
وإذا كان في حوادث زحله قبل أربعين يوماً ما يرد جزئياً على التساؤل الأول، فلعل في حوادث الأمس وما سيليها بعض الجواب على التساؤل الثاني.
إن “الاشتباك”، كما يعرف الجميع بمن فيهم المتربعون على كراسي السلطة، يتم بقرار سياسي، ويتوقف بقرار سياسي تتخذه الجهة المعنية. وهذا سجل الحوادث الدامية منذ مذبحة 13 نيسان وحتى اليوم ينطق بهذه الحقيقة ويؤكدها. ولم تنفع قوى الأمن، والقوى المساندة لها، في وقف الاشتباك في أي مرة، بقوة نيرانها، ولا كان ممكناً أن تنفع – برغم تضحيات رجالها والنيات الحسنة – طالما إن “السلطة” أعجز من أن تتخذ أي قرار سياسي، وطالما إن القادرين على اتخاذ القرار قرروا الاشتباك وليس وقف إطلاق النار.
لقد رفضنا في السابق زج الجيش في أتون صراع أهدافه السياسية المباشرة والمعلنة معادية بطبيعتها للشعب وطموحاته في بناء وطن حقيقي تسوده ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية حقيقية،
ورفضنا لأن أ‘داء التقدم لجأوا إلى كل سلاح قذر من الطائفية إلى التدمير والتخريب والتمثيل بالأحياء وجثث الأموات في محاولة لتدمير الإنسان ذاته ناهيك بقيمه ومفاهيمه وطموحاته إلى مستقبل أفضل،
ومن الطبيعي أن نرفض الآن، وبالقوة ذاتها، أن يستخدم الجيش استخداماً يعزز – عملياً – منطق التقسيم والقائلين به.
ليست مهمة الجيش حماية المسيحي من المسلم، وبالعكس،
إن مهمته حماية الوطن، كوطن، فإذا لم يكن ثمة وطن أو ثمة إرادة مشتركة لبناء وطن واحد لكل أبنائه، تحول الجيش إلى “قوة نار” في جملة “قوى النار” الأخرى، التي ثبت – بالمحسوس – إن أياً منها لا يستطيع حسم الصراع بالقوة لمصلحته،
.. اللهم إلا دعاة التقسيم والعاملين له، لأنهم أصلاً ضد لبنان – الوطن حتى بشكله الحالي وبنظامه المتعفن والكسيح إياه.
وهكذا يحولون الجيش تدريجياً إلى حارس لحدود التقسيم و”لرعاياه” المفترضين، من أبناء الأطراف خاصة.
إن مناطق عكار وبعلبك – الهرمل وقرى قضاء زحله هي الخزان الأساسي الذي يمد الجيش بالجنود والرتباء، أي بكتلته البشرية الأساسية،
ومن خلال قرار إنزال الجيش، ثم من خلال طريقة استخدامه، يبدو وكأن المراد هو إثارة مشاعر الجنود – مباشرة – وإلهابها بوضعهم وجهاً لوجه أمام قراهم وأهلهم المهددة حياتهم ومصائرهم من… مجهول؟!!
إن الذين تركوا الفتنة تنمو وتترعرع وتفرخ على امتداد سنوات وسنوات، وغذوها وساعدوا ميلشياتها بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وبالمدربين وأنواع المساعدات المباشرة والمؤثرة الأخرى، لا يعقل أن يكونوا قد باتوا اليوم ضدها وضد منفذيها، أو خاصة ضد أهدافها المكشوفة.
لهذا لا يعقل أن نفترض فيهم بقية من عقل تعصمهم عن استخدام الجيش استخداماً طائفياً، لتكريس التقسيم وتقريب موعده.
ولسنا ندري إذا ما كان الرئيس رشيد كرامي، على علم بهذا الدور الذي يريدون أن يزجوا الجيش فيه، أم إنهم يلعبون من وراء ظهره فلا يعرف إلا… متأخراً ، ويعرف النتائج كأمر واقع فقط لا غير.
إنه بنظر كل مواطن المسؤول الأول والأخير،
فهو رئيس الحكومة، وهو وزير الدفاع، وهو الذي رفع إلى موقعه في السلطة بقصد منع التقسيم وإحباط سائر المشروعات الطائفية القذرة،
ورجاؤنا أن يتحرك… قبل أن يفوت الأوان.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان