الخطوة الأولى على طريق حماية الجنوب وتحصينه وتثبيت أهله فيه هي: انتظام بنيه في صفوف “المقاومة الشعبية”.
وليس المطلب أن يمكن الناس من حمل السلاح ومن التدرب عليه فحسب، وإنما أن يحس الناس بالترابط، أن يعيشوا – بالسلاح – وحدة المصير، وأن يلم شعثهم جسم أو وعاء تنظيمي وطني يحميهم من الضياع المخيف الذي يلفهم بعد كل اعتداء إسرائيليز
فالدولة، وببساطة ، لن تعود إلى الجنوب، حتى لو خرج منه آخر فدائي،
ذلك إنها، وببساطة، لم تكن في أي يوم هناك، لا قبل قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولا خاصة بعد ذلك…
وهي لا تريد، ولا يراد لها، ولا تستطيع إن أرادت ، بل ولا تستطيع أن تريد أن تكون هناك، لأسباب باتت معروفة وشهيرة!
فحدود فلسطين اللبنانية لا تتسع لدولتين، بالمنطق العام السائد و”وجود” الدولة اللبنانية حتى بأضعف حالاته يعتبر استفزازاً مقصوداً لإسرائيل وتحدياً مباشراً لها من الأفضل تجنبه طالما إننا لا نستطيع “ركوب هذا المركب الخشن”.
على ضوء هذا الواقع يمكن فهم تلك العلاقة التاريخية الشوهاء بين الدولة والجنوبيين، والتي تعود بداياتها إلى ما قبل قيام إسرائيل سنة 1948.
وهذه العلاقة ليست مرشحة لأي تغيير أو تبديل قريب، وبالتالي فإن “عودة الدولة” – حتى بالمنطق الكتائبي – لن تحل مشكلة الجنوب…
وبالمنطق الوطني فإن هذا الغياب الأبدي للدولة لا يمكن أن يحمل، ولو جزئياً، إلا بأن يتولى الجنوبيون حماية أنفسهم بأنفسهم معتمدين على دعم القوى والأحزاب الوطنية والتقدمية العربية، ومنها بطبيعة الحال الأنظمة الأكثر تقدماً في مشرق الوطن العربي ومغربه.
و”المقاومة الشعبية” تحل عند المواطن العادي مشكلة شتات القوى التي ينتظر منها الحماية والدعم، وتعيد إليه ثقته بنفسه وبالأحزاب والمنظمات والأنظمة الشريكة – بنظره – في مسؤولية مصيره ومصير لبنان، باعتبارها تكرس يومياً فعل إيمانها بالمصير العربي الموحد.
و”المقاومة الشعبية” هي التحدي الكبير الذي يواجه هذه القوى والهيئات التي تنادت إلى مؤتمر وطني لدعم الجنوب، والتي تبنت الحملة من أجل تحصينه وحمايته وتثبيت أهله فيه.
إنه امتحان حقيقي لجدية هذه القوى ولصدقها في الشعارات التي ترفعها للناس والتي تطالب الجنوبيين – على أساسها – بالصمود والتصدي للخطر الإسرائيلي المتمادي.
وهو الرد الوطني العملي على الدعوات الانقسامية، وعلى التهويل بخطر الفتنة الطائفية، وعلى المنطق المتخاذل والانهزامي الذي ارتفع فجأة وعلى غير انتظار في بيروت.
بالالتحام الوطني بين اللبنانيين كافة، بتنظيماتهم ومنظماتهم المختلفة والمتعددة، يكون الرد العملي على مخاطر الانقسام والحرب الأهلية التي بدأ البعض يروج لها الآن، بينما مدافع إسرائيل تدك بيوت الجنوبيين بيتاً بيتاً.
والمقاومة الشعبية هي الرد الوطني على الخطرين الداخلي والخارجي معاً. ذلك إنها تساعد على أن يتحول لبنان الكيان إلى وطن حقيقي من لحم ودم، وبأن يتحول اللبنانيون من طائفيين وعشائريين وقبائليين إلى مواطنين،
وهكذا يكون الجنوب، المغيبة عنه الدولة مذ كانت، قد أعطانا الوطن الذي لم يكن مطلقاً.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان