لو أن بين الحكام العرب قائداً تاريخياً واحداً لبعث بأسطوله وقواته المسلحة إلى قبرص، دون إبطاء، وبغير أدنى تردد، ولأسباب عديدة أبرزها ثلاثة:
السبب الأول – وقف المذبحة في الجزيرة الصغيرة والمضيعة الهوية.
السبب الثاني – تأمين حماية شواطئ الوطن العربي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، أو بمعنى أدق تأمين سوريا ولبنان ومصر وليبيا، وما خلفها، من خطر الهجمة الاستعمارية الشرسة التي لا تستهدف قبرص وحدها بل تستهدف المنطقة العربية برمتها وتهيئ هذه الجزيرة العربية جغرافياً واستراتيجياً كنقطة وثوب وميدان رماية وحقل تجارب عملية.
السبب الثالث – ضمان طرد إسرائيل، نهائياً، من قبرص، وذلك بتأكيد الترابط العضوي بين الحقوق والمصالح الوطنية لشعب الجزيرة والحقوق والمصالح القومية للوطن العربي، على أرضية العداء المشترك للاستعمار والإمبريالية وحليفتهما الصهيونية.
ذلك إن غياب العرب عن لحظة تقرير مصير الجزيرة الجارة لا يعني فقط التفريط بها، والتخلي عن شعبها الصديق، بل هو يعني أيضاً التفريط بأمن الوطن العربي، وسلامته.
كذلك فإن غيابهم يحمل إليهم تهمة مصالحة الاستعمار والانسحاب من ميدان المعركة العظمى الدائرة منذ أمد طويل بين الشعوب في سائر أنحاء المعمورة، وبين القوى الاستعمارية والإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الاميركية.
على ضوء هذه المعطيات يبدو موقف الأنظمة العربية الرسمي مما جرى وما يجري في قبرص امتداداً لنمط الممارسات السائدة الآن في الوطن العربي، بمواجهة الهجمة الأميركية الجديدة، أي التراجع تحت ستار “الانفتاح”، والتفريط تحت مظلة النتائج الايجابية لحرب رمضان بدلاً من توظيف هذه النتائج لصالح الأهداف النضالية الأساسية وفي مقدمتها تحرير الأرض المحتلة.
وطبيعي أن المتخلي هنا لن يكون حريصاً في قبرص، والخارج هنا لاستقبال الأميركيين بالأحضان لن يستقبلهم بالرصاص في الجزيرة النازفة.
وإذا كان ثمة من عزاء، أو اعتذار نتقدم به من أخواننا القبارصة عن تقصيرنا حيالهم فهو إننا – مثلهم – افتقدنا القائد التاريخي القادر على اتخاذ قرار تاريخي، وإننا ندفع ثمن تقصيرنا مضاعفاً : عندهم مرة، وعندنا مرة أخرى، وربما أكثر!
وبالمقابل فإن الأميركيين الذين أفادوا من غياب قئاد تاريخي في هذه المنطقة، والذي لا بد أن يكون عربياً، فاعملوا أنيابهم في قبرص وشطروها شطرين سيحملون نتائج تجربتهم الميدانية في قبرص ليعيدوا تنفيذها في أكثر من قطر عربي.
وهكذا تكون قبرص قد دفعت، بشكل ما، ومثلما دفعت جماهير الشعب العربي، ثمن عجز الأنظمة العربية عن فهم واستيعاب نتائج حرب رمضان، وثمن تفريط المتخاذلين العرب بحقوق أمتهم القومية والتي ثبتها – من جديد – دم آلاف الشهداء الذين سقطوا عند ضفتي القناة، وعلى سفوح الجولان، وفوق أرض فلسطين.
إن العالم المعاصر صغير جداً، يغير خريطته انتصار واحد في أي جانب منه كما تغيره هزيمة واحدة.
وما من شك في أن أقطاراً عديدة في العالم الثالث دفعت ثمن الهزيمة العربية عام 1967، بعدما كانت قد جنت فوائد عظيمة من انتصار حركة الثورة العربية في أواخر الخمسينات.
والمأساة أن نضطر نحن، وتضطر معنا أقطار العالم الثالث، إلى دفع ثمن انتصارنا المحدود عام 1973.
فالنصر في غياب قيادة تاريخية يصبح توأماً للهزيمة.
والهزيمة أكبر من أن تتسع لها أرض جزيرة صغيرة مثل قبرص.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان