يفاخر الخليجيون، الآن، بأنهم قد نجحوا في التخلص من “العرب”، وهم يعنون مصر وسوريا أساساً، في وقت قياسي وبكلفة تكاد لا تذكر “وما حاجتنا إلى هؤلاء الشحاذين في وجود الأميركان”؟!
أما الفلسطينيون، وبالمطلق، فهم عندهم العدو المبين،
ويتباهى الخليجيون بأنهم لم يخسروا حتى مكالمة هاتفية على المصريين أو على السوريين لإبلاغهم مسبقاً بنيتهم في قبول “الشرف” الذي أسبغه عليهم الأميركيون عندما طلبوا منهم فوافقوا (طبعاً) على المشاركة في “المؤتمر الإقليمي”، وإن بصفة مراقب!
ويدرك الخليجيون، وهم محنكون في السياسة، كم يؤذي تصرفهم هذا الموقف العربي عموماً، والموقف السوري المتميز على وجه الخصوص، إذ يظهره “متطرفاً” و”متشدداً” و”مخرباً” على التصور الأميركي لـ “السلام” في المنطقة ونظام أمنها العتيد.
من هنا كان أول ما فعله وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر عندما وصل إلى دمشق، أن بادر الصحافيين المحتشدين في فندق شيراتون فزف إليهم بشرى الموافقة الخليجية على المشاركة في مؤتمر تخوض القيادة السورية – بكثير من الحنكة والبراعة والتهيب – المعركة لتصحيح صورته حتى لا يجيء تجسيداً للهزيمة القومية الجديدة التي نتجت عن المغامرة الحمقاء لصدام حسين في غزوه الكويت.
كان بيكر يشهر السلاح “العربي” في وجه الطرف العربي الذي يناضل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة العرب ومن معنوياتهم المنهارة ومن مستقبلهم ووجودهم المهدد بالضياع.
ومحق ذلك الذي يقول إن حكام الخليج قد تجاوزوا بتصرفهم غير المبرر وغير المقبول، ما أتاه السادات حين توغل في الطريق الملغوم حتى بلغ الصلح المنفرد مع العدو القومي.
فالسادات بلغ من يعنيهم الأمر بنواياه، مسبقاً، فلما أنكروها عليه اندفع بذريعة “تحرير الأرض المصرية” حتى وصل إلى كمب ديفيد، مع حرص ما على ترك قضية فلسطين لأهلها (وللعرب عموماً) يقررون في شأنها ما يرتأون،
أما الخليجيون فليس لهم أرض محتلة يتنازلون من أجل تحريرها، وليس في بلادهم أنهار يريدون تقاسم مياهها مع الإسرائيليين، وليس لهم جيوش أو أسلحة ليشاركوا مضطرين في مؤتمر لنزع أسلحة الدمار الشامل، وليسوا على الجبهة لكي يبادروا إلى إنهاء حالة الحرب، استجابة للضغط الأميركي.
ثم إن الجنود المصريين والسوريين الذين أوفدوا على عجل لحمايتهم من هوس صدام حسين لما يعودوا بعد، وبعض جرحاهم في المستشفيات،
فلماذا هذا الاستعجال المشين؟! ولماذا هذا التفرد؟! ولماذا هذا التبرع بالتفريط بالحقوق القومية في فلسطين وسائر الأرض العربية؟!
هل هو الضغط الأميركي أم هي الرغبة في التنصل من موجبات الهوية العربية أم الأمران معاً؟! أم إن ثمة حلفاً غير مقدس يجمع الأخوة – الأعداء: حكام الجزيرة والخليج مع حاكم بغداد، فارس أم المعارك والمنازلة الكبرى؟!
إن الطرفين يتكاملان بصورة مذهلة، فينجز الثاني ما بدأه الأول، ويكمل واحدهما ما قصر عنه الآخر لظروف قاهرة.
والطرفان يتسابقان إلى تنفيذ خطة أميركية للمنطقة تنزع عنها هويتها وتلغي مستقبلها وتسلمها جسداً بلا روح للمشروع الإمبراطوري الإسرائيلي.
فإعلان دول مجلس التعاون عن استعدادها للمشاركة في “المؤتمر الإقليمي” بصفة “مراقب”، يحقق – ولو من زاوية مختلفة – شعار صدام حسين الأثير في غزوه الكويت: تحقيق الربط بين النفط وبين الصراع العربي – الإسرائيلي!
لقد ادعى صدام حسين إنه إنما يريد توظيف النفط العربي في خدمة قضية فلسطين وانتفاضة شعبها المجيدة، وواكبه ياسر عرفات وروج مع قياديين فلسطينيين آخرين لمغامرته الحمقاء متوهمين إن احتلاله الكويت يعجل في تحريرأرضهم المحتلة!
وانتهى الأمر بصدام أن ضيع مع العراق وفلسطين النفط والعرب أجمعين، حاضرهم ومستقبلهم وطموحاتهم وأحلامهم العظام.
وها هم الخليجيون يكملون ما بدأه صدام، فيربطون – وبالطلب الأميركي هذه المرة – بين النفط والتسوية، واضعين مواردهم الهائلة وتواقيعهم الرخيصة في خدمة الجانب الآخر من الصراع.
باسم التحرير وجه صدام حسين ضربة قاتلة إلى النضال القومي وإلى قضية فلسطين، تحديداً، موفراً للعدو الإسرائيلي نصراً لا يستحقه وملحقاً بالأمة هزيمة نكراء في حرب لم تخضها أصلاً ولا هي كانت مهيأة لخوضها.
وباسم التسوية يتبرع الخليجيون بتقديم نصر سياسي مجاني مذهل للعدو الإسرائيلي لم يكن يحلم بتحقيقه ولو بالحرب.
ذاك قدم الهزيمة، وهؤلاء يقدمون ثمارها مجاناً،
… ومع هذا أو ربما لهذا نجد في لبنان من يستهول أن تناقش العلاقات المميزة مع سوريا!
للإسرائيلي الأرض والسلام، النفط والسيادة، أما العربي فتنكر عليه حقوق الشقيق بل حتى علاقات حسن الجوار.
لكن الخطأ أكبر من أن يسهل تمريره،
ولنستذكر معاً ما كان يجري في لبنان، قبل ثماني سنوات، متسائلين عن اتفاق الاذعان، اتفاق 17 أيار وأبطاله الميامين.
ومن أمجاد حكام الخليج إنهم جمعوا في أشخاصهم السادات وأمين الجميل وصدام حسين، وإنهم ينتقمون لهم، ولأمثالهم، من العرب!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان