عبر كتاب استقالته، حاول الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن يكون تاريخياً.
ولقد نجح في أن يبدو أكبر من أولئك الذين تلاقوا على العمل للاطاحة به، مجتمعين.
على إن أبرز ما يفترض أن يستوقف العرب في “رسالة الوداع” هو خلوها من أي ذكر لإسرائيل، وإن كان مؤكداً إن تغييبها المتعمد في كتاب الاستقالة ناتج أساساً عن حضورها المؤثر في فضيحة ووترغيت منذ اللحظة الأولى لانفجارها وحتى الخاتمة الدراماتيكية.
“… وفي الشرق الأوسط، حيث مئة مليون شخص في الدول العربية، وكثير منهم اعتبرونا أعداءهم لمدة عشرين سنة تقريباً ينظرون إلينا الآن كأصدقاء، علينا أن نستمر في البناء على تلك الصداقة كيما يستطيع السلام أن يخيم أخيراً فوق الشرق الأوسط، وكيما لا يصبح مهد الحضارة مقبرة لها”.
وإذا كان من حق المستر نيكسون أن يدرج هذه الصداقة بين الأسباب التي أدت إلى سقوطه، مفترضاً إنها سعرت الحملة الصهيونية ضده، فإن الثمن الذي دفعه العرب بفضل هذه الصداقة أفدح بكثير من خسارة منصب ولو كان بمستوى رئاسة أميركا.
لقد خسر العرب معظم النتائج الإيجابية لحرب رمضان المجيدة، كما خسروا الكثير من صمودهم الضروري لمواجهة ما يدبر ضد وطنهم وأمتهم.
وبرغم إن نيكسون عمل بالطبع لهذا الغرض، تحقيقاً لمصالح بلاده، الحليفة الكبرى لإسرائيل، فإن خسارة نتائج الحرب تظل من مسؤولية بعض الحكام العرب الذين بالغوا في تقدير مردود هذه الصداقة فبالغوا في الالحاح عليها وفي المراهنة على بطليها (نيكسون وكيسنجر) إلى حد كادوا يربطون معه مصير المنطقة برمته وليس فقط مصائرهم الشخصية بالقدرات السحرية والخرافية لرئيس الرؤساء ووزيره الداهية.
والمأساة عربياً إن إسرائيل قد كسبت مرتين: مرة بالإسهام في إسقاط نيسكون ومرة أخرى بسبب التنازلات العربية غير المبررة، علماً بأن هذه التنازلات لم تنفع قط في حماية الصديق الأميركي الصدوق، ولا هي نفعت في تقريب “السلام” الذي يطمع به المتعبون من حكامنا.
وها هو نيكسون قد رحل بينما شبح الحرب الإسرائيلية الخامسة يلف المنطقة برمتها.
فالوحش الإسرائيلي لم يشبع: التهم التنازلات، والتهم نيكسون، ثم التفت يحاول التهام مزيد من الأرض.
ولعل العرب، بمن فيهم عرب نيكسون، يفيدون من هذا الدرس القاسي: إن قدراتهم أساساً هي التي تقرر مصيرهم، وهي التي تجيئهم بالنصر أو تذهب بهم إلى الهزيمة.
إن بطولات جنودهم وضباطهم وأبناء شعبهم هي التي صنعت تلك النتائج الطيبة لحرب رمضان، وهي التي تستطيع أن توجه ضربة جديدة إلى الوحش الإسرائيلي، أما ما تبقى فلا يزيد في أحسن الحالات عن كونه إطاراً للنصر.
مع التأكيد إن ما تحقق في حرب رمضان تحقق قبل انبثاق فجر الصداقة العربية – الأميركية التي لم ينس نيكسون احتسابها بين منجزاته الكبيرة لحساب بلاده إياها، زعيمة المعسكرالإمبريالي في العالم.
… وفي وداع نيكسون ليس ادعى – عربياً – من أن نعود إلى درعنا الواقية، وإلى قدراتنا الذاتية متمثلة بقدرات شعبنا والقوات المسلحة العربية والاستعداد غير المحدود للبذل والتضحيةز
فليس بالحزن على الصديق نيكسون نواجه الحرب الإسرائيلية الجديدة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان