لم تبق “عاصفة الصحراء” الأميركية حجراً على حجر في الأرض العربية،
كأنها كانت لحظة النهاية لأي نوع من التضامن أو التعاون أو التنسيق في المواقف العربية.
لقد تتأثر “العرب” أيدي سبأ: أنكر الأخ أخاه، واحترب أبناء العمومة، وتخاصم أبناء الخؤولة، وافتقدوا المرجع الصالح، فأخذتهم واشنطن فرادى وباشرت تسليمهم إلى إسرائيل بالجملة.
وها هو الفصل الثاني من “عاصفة الصحراء” يبلور استهدافاتها كاملة عبر الغزو الأميركي (الدولي) للصومال (العربي؟!) بذرائع إنسانية.
ويمكن استشفاف نتائج النزول الأميركي في القرن الأفريقي، وعلى مستوى الشطر الآخر (الأفريقي) من الوطن العربي، من خلال ما حدث في الفترة الفاصلة بين “عاصفة الصحراء” و”إعادة الأمل”:
*لقد احتاجت “العاصفة” إلى تغطية عربية، فكان أن عقدت آخر قمة عربية (ولو ناقصة) في العقد الحالي (؟!!)…
أما عملية الصومال فقد تمت من دون “استئذان” العرب، ولو من باب الرحص على الشكل واللياقات، بل ومن دون إعلامهم مسبقاً بها… وهكذا اجتاحت واشنطن الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها، كرة أخرى، تمهيداً لأن تجتاح جيوشها الساحل الأفريقي للبحر الأحمر العربي، مستكملة السيطرة على القرار السياسي في المدى الحيوي لبحيرة النفط العربي بمنابعها ومرافئ تصديرها وطرق مواصلاتها، مع ضمان أمن المعابر جميعاً من باب المندب إلى مضيق هرمز.
*وفي حين احتاجت المشاركة العربية العسكرية في “عاصفة الصحراء” إلى بعض التشاور والتنسيقن على المستوى السياسي، والتمهيد للتبرير، فإن المشاركة في “إعادة الأمل” قد تمت التحاقاً وبطريقة مبتذلة،
فلقد تناقصت الحاجة إلى “القناع” العربي، أو أن العربي قد “أجر” أو لعله “وهب” وجهه للأميركي فبات قادراً على استخدامه في أي مكان وزمان ومن دون استئذان.
*إن “عاصفة الصحراء” لم تنته إلا وقد أضاع العرب رأسهم، وفقدوا توازنهم تماماً، يستوي في ذلك “المنتصرون” كـ “المملكة” و”الكويت الحرة”، والمهزومون كعراق صدام حسين ومن ناصره أو والاه.
سقط فانتهى تماماً “مجلس التعاون العربي” الذي ولد جهيضاً،
وتلاشى مجلس التعاون الخليجي وكان من قبل متهالكاً، ولم يستطع أبداً أن يبرر وجوده، حتى وهو يحاول أن يشكل إطاراً سياسياً وأمنياً للإقليمية النفطية.
كاي بنيان متصدع تهاوى “مجلس تعاون دول الخليج… على العرب”، ولم يستطع نادي الأغنياء أن يستمر متماسكاً، ولا أن يتطور في اتجاه وحدوي محدد ومحدود، ولو بقيادة “الشقيقة الكبرى”،
على العكس من ذلك فإن تحرشات “الشقيقة الكبرى” بإمارات الخليج قد تزايدت، في غياب العراق، ومع استبعاد سوريا ومصر اللتين أريد استخدامهما كعنصر توازن مع إيران، ولأمد محدود… ووصل الأمر بالسعوديين حد استعمال السلاح ضد القطريين لانتزاع “مركز الخفوس” في محاولة لضبط حركة هذه الدولة الصغرى التي تحاول تأمين ذاتها بشبكة من العلاقات والتحالفات طالما ثبت أن مجلس التعاون لا يحمي أعضاءه ولو من بعضهم البعض.
ولقد قالتها مصر، بألم، ثم قالتها دمشق صريحة وقاسية كالجرح، أمس بلسان وزير أعلامها: إن إعلان دمشق قد مات… والحقيقة إنه قد اغتيل رمياً بالرصاص وعلى رمال تلك الصحراء التي رواها الجنود المصريون والسوريون بدمائهم وهم يحاولون توكيد عروبة الأرض، وعروبة القرار بتحريرها، حتى لو كانت القيادة لأجنبي طامع وقاهر.
إن “الشقيقة الكبرى” (ومعها الكويت بصورة خاصة) تتصرف وكأنها لا تريد أن تبقي أي أثر عربي على سياساتها أو خططها الأمنية والاقتصادية والعسكرية.إنها تريد أن تكون “أميركية” خالصة، حتى حين تكلف بأدوار عربية أو إسلامية.
وبينما كانت واشنطن تقرر غزو الصومال كانت “المملكة” مشغولة بتحرير البوسنة والهرسك…
وبدلاً من أن تبادر “المملكة” إلى محاولة تنظيم “طائف” آخر للأخوة – الأعداء المقتتلين في الصومال، تركت للأميركيين مهمة الجمع بين طرفي الحرب الأهلية (محمد عيديد وعلي مهدي) وفي السفارة الأميركية بمقاديشو، وتحت العلم الأميركي، وبقوة الحراب الأميركية… وبينما العرب في “الخارج” يتحملون وزر التقاعس بل ربما وزر مساندة فريق ضد فريق وتأجيج الحرب.
لقد خرج كل حاكم عربي من “العروبة” وخرج عليها، لينجو بنفسه من أعبائها، فانتهى تابعاً مهاناً للأميركي، يلعب حيناً دور “القناع” وحيناً دور “المقنع”، وحيناً ثالثاً دور “الدليل”، وهي كلها ليست أكرم بكثير من دور “المرتزق”، تاركاً للأميركي شرف الظهور بصورة “المحرر”: محرر الأرض العربية، ومحرر الإنسان العربي، وباقي الدولة العربية… لحسابه وداخل نظامه الجديد.
لماذا إذن كل هذا الركام من الملوك والرؤساء وأصحاب الألقاب الفخمة وشبه المقدسة والتي توكل إلى الله سبحانه وتعالى مهمة حظفهم وإطالة أعمارهم ومؤازرتهم بنصر من عنده؟!
وعلى من النصر إلا على رعاياهم الطيبين والمغيبين والمهددين بغد صومالي؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان