ما أبعد بؤس النهاية عن إشراق البداية: ما أبعد لطفي الخولي آخر الأمل، آخر الطريق، آخر العمر، عن لطفي الخولي بدايات العهد بالنضال، بدايات الاستنارة بالأفكار الثورية العظيمة، بدايات العمل لتغيير الواقع بالإرادة الإنسانية الجبارة.
ما أبعد لطفي الخولي قلم »الطليعة« والمبشّر بالمصالحة التاريخية بين تيار التغيير القومي وبين الفكر الاشتراكي، المكافح بالكلمة والرأي لتوسيع دائرة النور وكشح ترسبات عهد الظلم والظلام، عن لطفي الخولي »المحلِّل« لكل المحرّمات التي انجرفت إليها قيادة العمل الفلسطيني، والمنظّر للانحراف بالاتفاقات المنفردة، أو بالحوار المباشر مع العدو وصولاً إلى إنشاء مؤسسة تدعو للصلح معه بشروطه تحت اسم »جمعية القاهرة للسلام«… ولا من سلام ولا مَن يسالمون، بل ثمة استسلام ومستسلمون.
لكأن لطفي الخولي الثاني المولود من قلب المرارة والإحباط والتعب، قد اغتال لطفي الخولي الأول، الذي ولدته المقاومة وصلابة الموقف والتفاؤل والإيمان بالإنسان، والذي استمر على ولائه لفكرة الثورة الناصرية حتى وهو في سجونها، والذي أفاد من المناخ الصحي الذي استولده محمد حسنين هيكل في »الأهرام« فجعل صفحة الرأي فيها مساحة تتفتح فيها كل الأزهار.
كاتب »القضية« أغوته »الأرانب« فانتهى إلى »ياقوت مطحون«!
ولطفي الخولي نموذج للمثقف الكبير الذي إذا ما زاغ بصره فانبهر بالآخر وأساء تقدير تاريخه أو ضاعت يده عن نبض شعبه، كان سقوطه عظيماً، وكان التدمير الذي يحدثه خطيراً، وكانت خسارته مفجعة.
ولقد خسرنا لطفي الخولي مرتين: مرة حين »فرّ« من معسكره، ومرة ثانية حين قاتلَنا به عدوُّنا… وهكذا فإن الموت يجيء اليوم إعلاناً رسمياً لفاجعة اكتملت فصولها من قبل.