لم يرتبط اسم مدينة بالصمود أمام الحصار كما ارتبط اسم عكا… فعند أسوارها التي تحصن قلعتها البحرية لطالما توقف زحف جيوش الغزاة، قبل الحروب الصليبية وبعدها، وصولاً إلى حملة القائد الفرنسي نابليون بونابرت الذي أسقطت عكا حلمه في تتبع مسيرة الاسكندر المقدوني بهدف الوصول إلى الهند.
ولقد شكلت عكا، بموقعها، عقدة في الصراع على المنطقة أو الصراع على السلطة فيها، سواء جاءت جيوش الغزاة من البحر، أو توغلت ـ كما الحملات الصليبية ـ في البر من بلاد الشام في اتجاه مصر، مع تعزيزات عبر البحر.
عكا «أقدم المدن الجميلة وأجمل المدن القديمة» كما وصفها محمود درويش. تميزت عبر تاريخها، بأنها مدينة الفن والفنانين، ويجتمع في بناء كنائسها ومساجدها وأسواقها تشكيل نادر من أنماط البناء والإعمار، البيزنطي والعثماني والتقليدي المتوارث عبر الأجيال.
ويحفظ تاريخ المشرق العربي اسم أحمد باشا الجزار، والي عكا، باعتباره صاحب الدور البارز في سياسات المنطقة في القرن الثامن عشر، فهو كان عقدة الحل والربط في صراع الولاة العثمانيين والقادة المحليين في بر الشام. لذا فهو يحتل صفحات في تاريخ الإمارة المعنية ـ الشهابية ومواقع النفوذ وتبعية الجهات في بعض أنحاء الجنوب (جبل عامل تحديداً) والعائلات ذات الوجاهة والمكانة.
أما الميزة الأساسية لعكا فهي ان نحواً من ثلث سكانها يعملون في مجالات الفنون والإبداع، يمكن ان نستذكر من كبار مبدعيهم غسان كنفاني الذي أغنى المكتبة العربية برواياته وقصصه ومقالاته النقدية، وعرّف العرب والعالم إلى شعراء الأرض المحتلة كما إلى صفحات منسية من جهاد شعب فلسطين… وكذلك الروائية والإذاعية القديرة سميرة عزام، وغيرهما الكثير.
عكا اليوم مهددة باجتياحات المستوطنين المتصلة، وقد زحفوا عليها فاحتلوا بعض أحيائها وابتنوا أحياء جديدة في حصار منهجي لأحيائها بقصد «طرد» أهلها الأصليين منها الذين تدنت نسبتهم فيها اليوم إلى حوالى ثلاثين في المئة من سكانها يتجمعون على بعضهم البعض من حول كنائسها المميزة بعماراتها المتعددة الطراز، ومساجدها العديدة وأشهرها وأكبرها المسجد الذي بناه أحمد باشا الجزار نفسه في الحي القديم وبعض تفرعاته ذات المباني العتيقة.
عكا، مثل أي مدينة فلسطـــينية عريـــقة، مهددة بمحو هويتها، وإن استـــمر أهلها يكافحون باستبقائها في وجدانهم، يحمــلون إبداعاتــهم الفنية إلى أربع رياح الأرض لتثبيت فلســطين في الذاكرة، بالإبداع كلــمة ولــحنا ورقــصا وغناء.
في هذا العدد من ملحق «فلســطين» قســـم خاص عن عكا، المدينـــة العريقة بأهلها وتاريخــهم فيـــها ومعهــا، مع اســتذكار بعض مبدعيها، سواء من بقوا فيــها أو من أخرجهم الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي منها إلى ما حولها من «بلاد الشام» فضلاً عن مصر، وقد كانت عكا «محطة إجبارية» في الطريق منها وإليها.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان