العراق هو الشهيد، والاحتلال الاميركي هو المسؤول الاول والأخير عن محاولة اغتيال هذا البلد المؤسس للحضارة الانسانية، بقهر ارادته الوطنية وغزوه عسكرياً، كما بمحاولة إثارة الفتنة فيه لإشغال العراقيين بأنفسم عنه وعما يدبره لحاضرهم ومستقبلهم من بعد.
الاحتلال الاميركي هو، وحده، المسؤول عن مذبحة النجف الاشرف التي استهدفت المشاركين في صلاة الجمعة خلف المرجع السياسي الديني البارز آية الله محمد باقر الحكيم.
والاحتلال الاميركي هو وحده المسؤول الاول والاخير عن مذبحة بغداد التي استهدفت بعثة الامم المتحدة بقيادة شهيد حقوق الانسان والشرعية الدولية في محاولتها القاصرة لمساعدة شعب العراق، سيرجيو دي ميلو ومعاونيه.
والاحتلال الاميركي هو وحده المسؤول عن مذبحة السفارة الاردنية، كما عن كل عملية اغتيال سياسي او قتل عمد بقصد السرقة او الاغتصاب او تخريب المنشآت العامة.
والجهات التي تبرعت بإصدار البيانات او التصريحات القاطعة في تحديدها لمنفذي المذبحة في النجف، بعد يوم واحد من ارتكابها، تؤكد انتسابها للاحتلال الاميركي وسعيها »لتبرئته« عبر محاولتها المكشوفة لإثارة الفتنة بنسبة المنفذين بلا اي دليل الى جهات »عربية« او »اسلامية« عرفت بمذهبية عمياء وبقصور فكري فاضح وأمية سياسية مما يجعلها تنتهي بخدمة اغراض »عدوها المعلن«، الادارة الاميركية…
ان المسؤول الاول والاخير هو الاحتلال الاميركي، بوصفه السلطة المطلقة التي لا سلطة غيرها، في طول العراق وعرضه، في السياسة كما في الامن، وفي الاقتصاد كما في التربية والتعليم الخ.
حتى في بلاد متقدمة تملك اجهزة امنية متفوقة في خبراتها وتجهيزاتها وأرشيفها الجنائي، يصعب خلال ساعات تحديد القتلة وهوياتهم وانتماءاتهم المذهبية وارتباطاتهم العقائدية السياسية، فكيف في بلد سلطته غريبة عنه اخذته بالقهر وتحكمه بقوة سلاحها؟!
من لم يستطع ان »يكتشف« السيارتين المفخختين عند إيقافهما امام باب مرقد الامام علي في النجف، ومن اتى بهما، لا يمكنه الادعاء انه وخلال ساعات فقط قد كشف الفاعلين (!!) فألقى القبض عليهم واستجوبهم فاعترفوا فوراً، ليس فقط بالجريمة بل كذلك بدوافعهم »العقائدية« التي تكفي لإطلاق فتنة كبرى بين المسلمين على امتداد العالم وليس في العراق فحسب.
ان هذه البيانات المزوة والتصريحات »الموجهة« انما تدين الاحتلال الاميركي، لانها تقيم الدليل القاطع على ضلوعه في السعي لإثارة الفتنة… وفوراً، اذا امكن!
لقد فوض الاحتلال إلى ذاته حق تقرير مصير العراق، شعباً وكياناً سياسياً، فأسقط النظام القائم، الدكتاتوري الطاغية الظالم الخ.. وعين له حاكماً أميركياً، ثم أنشأ له »مجلس حكم« تتشكل واجهته من المعارضين الذين كانوا بأكثريتهم من »المتعاونين« مع المحتل قبل ان تتحرك قواته في اتجاه أرض الرافدين، وقد رعاهم ومولهم وسلحهم وأعدهم لمثل هذا اليوم، ولكنهم عجزوا عن إقناع شعب العراق بشرعيتهم أو بقدرتهم على اتخاذ أي قرار، فلم يكن لهم من »الحكم« إلا »المجلس« وإلا الوجاهة بالتناوب… ومن سوء حظ »رئيسه« الأول، بالترتيب الابجدي، ان »شهره« كان دموياً، وها هو »الرئيس« الثاني يتقدم مسبوقاً »بسجل عدلي« حافل بالاتهامات والارتكابات السياسية المعلنة.
وليس من المبالغة ان يقال ان »مجلس الحكم« كشخصية اعتبارية »مركبة« قد سقط على عتبة المقام المقدس في النجف الاشرف، في جملة من سقط من ضحايا… ومن البديهي ان يتنصل رئيسه المؤقت وأعضاؤه المعينون من المسؤولية عما ليسوا مسؤولين بالاصل عنه.
ان الاحتلال الأميركي هو المسؤول الأول والأخير عن مذبحة النجف (وما قبلها وما بعدها) كائناً من كان المخطط أو المنفذ، وحتى لو كان كما حاول بعض المتعاونين مع الاحتلال الإيحاء »بعض أنصار النظام المقبور« أو بعض خلايا »تنظيم القاعدة«، وكل من هذين الطرفين »مؤهل« لأن يلبس هذه التهمة..
ان الاتهامات التي أطلقت على آلفور، موجهة إلى جهات منبوذة، يؤكد القصد منها: محاولة تبرئة الاحتلال الأميركي ولو بإثارة الفتنة العمياء في العراق، عن طريق استحضار النظام المخلوع، أو استحضار التنظيم البائس الذي لم يكن له وجود في »عراق صدام«.
ان اختيار الضحية في شخص سليل أسرة العلماء الشهداء، السيد محمد باقر الحكيم، والمكان، والتوقيت يكشف الجاني: فكل ذلك »نموذجي« لمن أراد إشعال نار الفتنة، إذ وحده الطرف الأقوى هو القادر على استيلاد الفتنة ثم على توظيفها لحسابه ولمخططاته.
ان الاحتلال الأميركي يقدم بمحاولة استغلاله للمذبحة التي جرت، كما سابقاتها، تحت عينيه، صورة لذاته مطابقة تماماً لصورة »النظام المقبور« من حيث محاولته الاستقواء بالفتنة لقهر الشعب العراقي وحرفه عن أهدافه في التحرر والتقدم والعدالة.
ان التبرير الأخطر الذي قدمته الإدارة الأميركية لاجتياح العراق هو ان نظامه معاد للإنسانية بدليل امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، (وقد ثبت في ما بعد كذب هذا الادعاء)، ثم قمع ذلك النظام لشعبه بالقتل اليومي والمقابر الجماعية (وها هي المذابح تجري جهاراً نهاراً وفي أكثر الأماكن قداسة، ثم يجري تزوير هوية مرتكبيها بقصد مقصود هو إثارة الفتنة، التي كان التلويح بخطرها بين مبررات ضعف المقاومة لنظام صدام حسين).
ان الفتنة هي اخطر اسلحة الاحتلال، بالضبط كما كانت بين اخطر الاسلحة التي استخدمها نظام صدام حسين لإدامة حكمه الدموي الطويل.
ولقد يمكن القول الآن إن الاحتلال الأميركي قد يتخذ من خطر الفتنة مبررا إضافيا لاستقدام مزيد من »جيوش المرتزقة«، حتى لو كانت تنتمي إلى بعض الدول الفقيرة العاجزة عن دفع مرتبات عسكرييها، في محاولة لنثر دماء العراقيين على أشتات العسكر المستقدمين من أربع جهات الأرض.
وبوسع الاحتلال أن يؤمن »الرفاه« لهؤلاء الذين سيجيئون للموت فداء لجنوده، فنفط العراق »تحت التصرف«، ثم إن إعادة إعمار هذا البلد الغني قد يكون بمثابة صندوق الرشى لكل من التحق بالاحتلال وقاتل بالنيابة عن الجنود المصفحين الراغبين بالعودة في أسرع وقت »إلى أسرهم في الوطن«.
إن الاحتلال إذا هو نجح في خطته هذه، ولا سيما إذا لبت نداءه بعض الدول العربية والإسلامية، يكون كمن يفرض على العراقيين أن يقاتلوا العالم كله، من أجل أن يطيلوا فترة احتلاله لبلادهم.إن الاحتلال الأميركي لا يهتم إلا بأمن جنوده وأمن منابع الثروة التي جاء يطلبها، وأمن خطته للهيمنة على هذه المنطقة بكاملها، مع »حصة معلومة« لحليفه الإسرائيلي فيها، (والذي يعمل بالشراكة معه لإثارة فتنة أخرى في فلسطين المحتلة)..
.. وبين فضائل الفتنة أنها تحصن جنود الاحتلال، إذ ينشغل العراقيون بأنفسهم، ويتم تعزيز الحريق كلما هدأت نيرانه، بنبش بعض الذكريات السوداء، وبعض الوقائع السوداء في التاريخ العربي والإسلامي.
ولعل ذلك كله بين أسباب السرعة في توجيه الاتهام، والتجرؤ على الحوزة العلمية في النجف الأشرف بإصدار بيان باسمها، مزور بكليته في نصه وفي مضمونه، لا هو يحمل لغتها ولا هو يعكس رصانتها وتدقيقها وحرصها على النأي بنفسها عن حقل الألغام الذي يريد الاحتلال دفع الجميع إليه، لكي ينشغلوا بأنفسهم عنه.
إن مثل هذا البيان والتصريحات المنسوبة لمحافظ النجف، الذي عينه الاحتلال، وتعميم »جنسيات« منفذي التفجير وانتمائهم المذهبي، كل ذلك يقع في باب »كاد المريب أن يقول خذوني«.
الاحتلال الأميركي هو المسؤول أولا وأخيرا.
الاحتلال الذي جاء بديلا للطاغية يقدم نفسه بملامحه، ويوما بعد يوم يتزايد التطابق في الملامح وفي الأدوات، حتى ليكاد »العصر الأميركي« في العراق يكون امتدادا ل»النظام المقبور«، مع ميزة فضلى: إنه احتلال أجنبي بالقوة!
… ولعل هذه المذابح المنظمة سترتد على منفذيها كما على الاحتلال، فيؤدي استعجال الاحتلال إشعال نيران الفتنة إلى التعجيل في ولادة المقاومة الوطنية الشاملة لكل العراق وكل العراقيين..
وبذلك لا تكون دماء الشهداء الذين أودت بهم هذه المذابح المنظمة قد ذهبت هدرا، ويكون آية الله محمد باقر الحكيم (ومثله سيرجيو دي ميلو) بين أسباب التعجيل في انتهاء هذه الحقبة المظلمة في تاريخ العراق، فيكون قد حقق بشهادته ما لم تمكنه أيامه من تحقيقه (مع سائر المناضلين من أجل حرية العراق) في حياته.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان