عشية “العيد” يلغي المشهد العربي كل معاني “العيد”!
ويبدو الانقسام حول “ثبوت الرؤية” وتشطير “العيد” والاختلاف حول “تاريخ” انتهاء رمضان وبداية شوال، وكأنه طغيان لمباذل السياسة على ركائز التوافق الاجتماعي.
الانقسام يبدأ من “فوق” من القمر ومنازله، ويتدرّج ليشمل أساسيات الحياة العربية المعاصرة بدءاً بالصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى العلاقات العربية ـ العربية، إلى موقع العرب في العالم، ولا ينتهي باقتصادياتهم الضعيفة أو المدمَّرة (نتيجة الانهيار المدروس والمبرمج في أسعار النفط) إلى حد أن أغنى أغنيائهم يقفون على حافة هاوية الإفلاس، بينما فقراؤهم يعجزون عن سداد ديونهم!
إن الانقسام يعمّق حالة التردي، والتردي يمنع التلاقي ويفاقم حالة الانقسام، فإذا العرب أشتات لا يجمعهم “لقاء”، يهربون من أعباء “القمة” حتى لا يورّطهم الالتزام في ما يعرّضهم للمساءلة والمؤاخذة ومن ثم العقوبات التأديبية الصارمة بينما هم في أمسّ الحاجة إلى الحماية ولو… بالنسيان!
المفارقة أن مَن يخاف في الغرب يلجأ إلى “ديموقراطية” الداخل لتعزيز هجومه في الخارج وعلى الخارج..
… بينما معظم العرب يسعون لاسترضاء الخارج، بإضعاف الداخل إلى حد إلغاء قدرته على التأثير،
هناك يؤكدون قوة مجتمعاتهم، ومناعة وحدتها بحيث لا يؤثر فيها الاختلاف السياسي، ولو تناول الأمر الرئاسة وشخص الرئيس،
ومعظم الأنظمة العربية لا تفعل، بالمقابل، إلا ما يزيد الانقسام الداخلي، وتصير القضية شخص “السلطان” لا مصير البلاد حاضراً ومستقبلاً.
أما قضية الشعب الفلسطيني حياته، وجوده، كيانه السياسي،
وأما غير هذه وتلك من قضايا الأمة المهدَّدة في مصيرها من أقصى مغربها إلى أول مشرقها، فكله متروك لما تقرّره الديموقراطية الأميركية والديموقراطية الإسرائيلية،
فالأنظمة العربية معلّق مصيرها بنتائج “المحاكمات الانتخابية” في واشنطن وتل أبيب،
وكذلك الاتفاق على موعد ظهور هلال شوال!
ليس في الأفق التماعة فرح واحدة تبشّر بعيد قريب، ولا فيه ما يترك فسحة أمل بظهور هلال “العيد” ولو بعد حين،
وإذا كانت الديموقراطية الأميركية تتخذ من واقع العراق، وخلفه كامل الجزيرة العربية والخليج، ساحة استعراض لقدراتها الامبريالية،
… والديموقراطية الإسرائيلية تتخذ من واقع السلطة الفلسطينية، وخلفها العجز العربي الشامل عن النجدة والترشيد أو التصحيح، ساحة استعراض لنجاحها في إلغاء “السلام” من دون التورط في حرب أو حروب، بل ومع إسقاط احتمالات الحرب،
.. فإن العرب هم الذين يدفعون من أمنهم واستقرارهم واقتصادهم ما يزكي “ديموقراطية الأعداء”، إضافة إلى تعظيمهم شأن قوة أولئك الأعداء بحيث يمكن استخدامها لتطويع شعوب أخرى في الشرق كما في الغرب.
وبديهي والحالة هذه أن تتواضع أحلام الأنظمة العربية فلا يعود مطلبها “السلام” مع العدو، بل إن أقصى طموحاتها الحفاظ على “السلام الداخلي”… أي سلام النظام.
ولعل بين موانع القمة أنها قد تشكل تهديدا لسلام هذا النظام أو ذاك، إضافة الى مساهمتها في الإضاءة على العجز المطلق للأنظمة مجتمعة عن التوافق، بداية، ثم عن الفعل.
وفي ظل هذا الواقع العربي تستطيع إسرائيل أن تمارس الترف الديموقراطي حتى الثمالة، فتنقسم مؤسساتها الذاتية على نفسها، وتعيد “الأحزاب” والكتل تشكيل ذاتها بمعزل عن الخلافات العقائدية، فإذا بعض “اليمين” ينضم إلى “اليسار”، وبعض “اليسار” يذهب إلى قيادة “اليمين” بلا حرج، وإذا “الوسط” يتسع لكل ألوان الطيف… ولعل هذا بين الوسائل الفعالة في إهدار “الصوت العربي” ومنعه من التأثير بثقله، على التحولات في الديموقراطية الإسرائيلية، المشغولة الآن بإعادة صياغة نفسها لتؤهل “دولتها” لقيادة العالم العربي كله.
وليس بغير دلالة أن يرتفع صوت “خارجي” بضرورة الإقرار بجميل إسرائيل على حركة الديوقراطية في البلاد العربية، وتذكيره بأن أعلام إسرائيل تخفق في أكثر من عاصمة خليجية (ناهيك بالعواصم الأخرى)..
… وهذه “ديموقراطية” على الطريقة العربية،
وهي أحدث منتجات الانقسام على مستوى القطر أو الوطن كما على مستوى الأمة، وهو الانقسام الذي يستمر في صعوده حتى القمر فيلتهم “العيد”.
مع ذلك، كل عام وأنتم بخير
ولنعمل معاً لإعادة توحيد القمر… فذلك هو يوم “العيد”!
نشرت في جريدة “السفير”، 1999/1/18