تتقدم »السفير« من قرائها باعتذار علني وصريح عن خطأ التسرع الذي وقعت فيه أمس، الأربعاء، بعنوان احتل صدر صفحتها الأولى ونصه: »غور رئيساً… وليبرمان في البيت الأبيض«.
نعتذر لأننا، بداية، جافينا أصول المهنة فحسمنا في أمر لم ينته بعد، ولم يصل إلى خاتمته المنطقية، فأخذتنا التقديرات واستطلاعات الرأي والنتائج الأولية أو غير المكتملة إلى الخطأ الذي لا يبرّره أنه غير مقصود.
لعله الهوس المهني في السبق في أمر ليس في يدنا أن نسبق فيه،
أو لعلها التجارب العربية(؟) العريقة في الديموقراطية، وفي الانتخابات خصوصا إذا ما أُخذت من الزاوية اللبنانية، حيث تعلن النتائج ومن ثم تجري الانتخابات، و»يقرر« توزيع المقاعد، ومن ثم تأتي »الأصوات« وأعدادها المؤكدة لحسن التوزيع وصواب القرار.
أو لعلها »السياسة« هي التي وفرت العذر بالتعبير عن الإحساس بالخطر من وصول رئيس يكاد يكون أكثر »إسرائيلية« من الإسرائيليين ومعه نائب رئيس »يهودي أرثوذكسي« إلى البيت الأبيض، مما يحوله إلى مركز لقوة ضغط شديد على الموقف العربي بل على الحق العربي.
في أي حال فإن وسائل الإعلام الأميركية ارتكبت من الأغلاط، وهي المتمكنة والقادرة وذات الشبكات التي تطاول أقصى الكون والتي تتحرك »على أرضها«، ما لا يُنسى أو يُغتفر، خصوصا وأنها في قلب الحدث… فصدرت الطبعات المتوالية للصحف الأميركية المحلية بنتائج متناقضة، وأعلنت شبكات تلفزيونية رصينة فوز مرشح لم يفز بعد، ثم عادت تعتذر لتعلن أن النتيجة ما تزال غامضة ومعلقة بفرز الأصوات في ولاية فلوريدا التي »أعطيت« مرة لبوش وأخرى لغور ثم عُلِّقت على صناديق المقترعين في الخارج من الجنود والمسافرين والمتحدرين من أصل بورتوريكي!
لقد كان »ليل الهستيريا والغموض والجن«…
كذلك فإنها المرة الأولى التي تنتهي الانتخابات الأميركية بمثل هذا الغموض والارتباك الذي أخّر إعلان النتائج ليومين (حتى بعد ظهر اليوم، الخميس)..
على أن ذلك كله لا يعفي »السفير« من تحمل المسؤولية عن التسرع وعن الجزم بأمر لم يصل إلى ختامه، وأن تقدِّم التقدير أو التوقع على أنه »خبر«… ولذا فإننا نكرر الاعتذار مع التعهد بالعودة إلى الالتزام بالأصول المهنية، مهما كانت »الأخبار« مستفزة ومغايرة لما نتوقع، أما الرغبات أو العواطف فليس لها في العمل المهني مكان.
* * *
ويبقى عذرنا النقص في التعود على »الديموقراطية« ولو بسيطة ومبسطة إلى أقصى حد، فكيف إذا كانت »معقدة« على الطريقة الأميركية!
في كل الحالات نتمنى أن يكون خطأنا خطأ فعليا، بمعنى ألا يدخل اليهودي الأرثوذكسي مع الإسرائيلي أكثر من الإسرائيليين الى البيت الأبيض.
ولا يعني هذا أننا »منحازون« الى جورج بوش، بمعزل عن قيمة مثل هذا »الانحياز« العبثي، والذي لا يهتم له أحد.
ذلك ان العرب عموما، وبقضاياهم المحقة العديدة و»المعتقة«، ليس لهم أي أثر في الانتخابات الأميركية، لأن ليس لهم أو أنهم لم يستبقوا لأنفسهم أي قدرة على التأثير في أي شأن. لقد فقدوا أو أفقدهم حكامهم اعتبارهم ودورهم ومكانتهم التي يفترض أن يكتسبوها من عديدهم كما من قدراتهم المحتملة وثرواتهم الفعلية وموقعهم الاستراتيجي.
إنهم مجرد »مشاهدين« يقبعون على أقفيتهم ويتابعون البرامج التلفزيونية، ويسعدون »بالتفرج« على الديموقراطية في بلاد الآخرين!.. يستوي في ذلك الحاكم أو المحكوم من العرب!
الفارق بين المرشحين المتنافسين قائم في كل مكان إلا عند العرب: كيف تمكن المفاضلة ومن ثم الاختيار بين نصيرين لإسرائيل، يزايد أحدهما على الآخر في إظهار دعمه المطلق لها، وتقديمها على المصالح الأميركية الداخلية بوصفها المصلحة الأميركية العليا؟!
وإذا كان العرب يحفظون لجورج بوش الأب شيئا من التميز في الموقف من »تطرف الحكم« في إسرائيل (على أيامه) فإنهم لا يستطيعون أن ينسوا انه الرجل الذي سعى ونجح في تدمير العراق، وفي إعادة احتلال معظم الأرض والثروة والإرادة في الوطن العربي، دون أن يعني ذلك تبرئة صدام حسين من خطأه السياسي الفاضح في غزو الكويت.
نتسلى بالمقارنات، لأننا بلا سياسة. وبلا سياسة لأننا بلا رؤيا وبلا خطة، ولان سلاطيننا لم يصلوا الى مواقعهم بأصواتنا، بل لعل »أصواتنا« تزعجهم الى حد فقدان الأعصاب فيفرضون الصمت بالحديد والنار.
بوش ام غور؟!
وماذا يهم طالما ان »القمة« التي تجمع سلاطيننا تعجز عن ان تقرر او تحد من الخطر الذي يتهدد كلا منا كما يتهدد مجموعنا؟!
اما على المستوى الفردي فإن اكثر ما يزعج السلاطين الآن انهم لا يعرفون الى من يتوجهون بنفاق التهنئة فيكون للسابق منهم فضل التقدم على زميله؟!
وطالما بقينا نتفرج على الديموقراطية ولا نمارسها، ولا نعرف طريقنا إليها لأن مواكب السلاطين تسدها، فسنظل خارج دائرة التأثير وخارج دائرة القرار الذي يتعلق بمصيرنا!
والآن لا هم لنا ولهم إلا كشف »عورات« الديموقراطية الاميركية، ولسان حالنا وحال سلاطيننا يقول: الحمد لله، فليس فينا مثل هذه العورات!
إننا نعجز عن »الانحياز« لهذا المرشح او ذاك للتعذر… بمعنى ان لا احد يهتم لرأينا كعرب ولا احد يسألنا عنه، فكيف يكون ثمة رأي لمن ألغى نفسه فلم يعد موجودا في دائرة القرار؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان