هي حركة ذكية أن يمتنع النظام العراقي عن »الاحتفال« بغلطته التاريخية التي أقدم على ارتكابها في مثل هذا اليوم من العام 1990 بغزو جارته شقيقته الصغرى الكويت، وهي الغلطة التي شارك في دفع ضريبتها الباهظة العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج، وشعب فلسطين منهم في الطليعة… وهم ما زالوا يدفعون، وسيستمرون على هذه الحال حتى ينتبهوا إلى مكامن الخطأ في سياساتهم فيعالجوها ويتوقفوا عن تبريره أو التمادي فيه.
فالغلطة التاريخية استولدت أغلاطا حتى كاد العرب بمجموعهم يغرقون في بحر من الغلط، وكلّفتهم الكثير من قدراتهم وإمكاناتهم المادية ومن دورهم السياسي ومن تأثيرهم الحضاري ومن احترامهم لأنفسهم، وبالاستطراد من احترام العالم لهم كأمة وكدول ذات أعلام وأناشيد وطوابير عسكرية للاستعراض وأجهزة أمن فعالة في قمع الناس وفي إذلالهم وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية كمواطنين في بلاد هم أهلها.
آخر ثمار هذا الامتهان العالمي للعرب التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة، أمس، حول المجزرة الإسرائيلية في مخيم جنين، قبل أربعة شهور، والذي زوّر الوقائع حتى كاد يتهم الفلسطينيين بأنهم هدموا أكواخ اللجوء على أنفسهم ثم بنسف بعضهم بعضاً ليعطلوا تقدم مسيرة السلام الإسرائيلي!
أما الوقائع اليومية لهذا الامتحان فأكثر من أن تحصى، وهي تشمل مختلف المجالات، ولا تستثني من »الدول« العربية أقربها الى الولايات المتحدة و»أصدقها« مع العدو الإسرائيلي، أرضياً وفضائياً، سياسياً واقتصادياً… وهذه هي اللقاءات »العربية« لوزير خارجية شارون، شيمون بيريز، مع المسؤولين العرب تتوالى في جو من الصفاء والود تفتقده اللقاءات العربية العربية سواء على مستوى القمة أو على مستوى لجنة متابعة البحث عن المبادرة العربية التي »أُطلقت« من بيروت في اتجاه واشنطن ثم لم تعد بل جاء بدلاً منها القرار الأميركي بإلغاء السلطة الفلسطينية حتى لا تظل تعطل تقدم الدبابات الإسرائيلية في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة.
لقد فتح خطأ النظام العراقي بغزو الكويت الباب لمسلسل من الخطايا المميتة بين أخطر نتائجها أن معظم الوطن العربي الآن، بما في ذلك العراق، أرض محتلة، لا فرق بين أن يكون المحتل إسرائيلياً، كما في فلسطين (وبعض جنوب لبنان، وبعض الجولان السوري) أو أميركياً كما في الجزيرة والخليج حيث تحتل قطر منصب القاعدة الكبرى.. ولا فخر!
ولأن العرب قد هانوا على أنفسهم فقد فقدوا حقهم بتقرير المصير، وصار بوسع أي كان، أن يدلي برأيه في ما يجب أن تكون عليه حالهم!
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإن لكل دول الأرض، الآن، صغيرتها والكبيرة، رأيها في »ضرب« العراق، وفي مستقبله وهل يكون دولة واحدة أم دولاً شتى (عربية، كردية، تركمانية، سنية، شيعية، كلدانية، حثية الخ) إلا شعب العراق… وعند الدول والهيئات وبيوت الخبرة الدولية ما تقوله في مستقبل فلسطين ما عدا شعب فلسطين… وكذا بالنسبة ل»حزب الله« في لبنان، وبالنسبة لجزيرة »ليلى« المغربية، وكذا بالنسبة للاتفاق الجديد بين حكومة الخرطوم وحركة جون قرنق حول جنوب السودان الخ!
بل ان »ضرب العراق« قد تجاوز لشدة الإلحاح عليه موقع »الخبر«، ومن هنا تركيز البحث على ما بعد الضربة… وأجهزة الإعلام العربية، وأكثريتها الساحقة رسمية، أي حكومية، ومع ذلك فهي تردد كالببغاوات التقارير الأميركية والتحليلات الإسرائيلية لما بعد الضربة، وكأنها مجرد صدى لصوت سيدها… ولشدة »أمانتها« فهي تنقلها بغير تعليق، محافظة على هيبة المخابرات المركزية الأميركية وسمعة مراكز الأبحاث الاستراتيجية في واشنطن ومعها تل أبيب.
في 2 آب 1990 كانت الكويت ضحية خطأ سياسي فاضح ارتكبه حاكم العراق، ولقد سقط بنتيجته ما كان تبقى من مرجعية عربية ممثلة بمؤسسة القمة والجامعة العربية.
في 2 آب 2002: كل العرب في موقع الضحية… مع ذلك فإن بعضهم لا يتورع عن تقديم السكين الى الجلاد، سواء أكان أميركياً أم إسرائيلياً، ليذبح أخاه، مفترضاً أنه بذلك إنما يؤمّن سلامته، متغافلاً عن حقيقة أن العداء موجه إلى »عروبته« وليس إلى كيانه الهش الذي بقرار أقيم وبقرار يُزال!
في الفترة الفاصلة بين الموعدين سقطت المرجعيات الدولية جميعاً، وفي الطليعة منها الأمم المتحدة ومجلس الأمن في أيدي الولايات المتحدة، وفقد العالم المرجعية »المحايدة« وتحولت »المحكمة« التي يفترض بها أن تحد من جموح الأقوياء الى منصة اتهام ضد الشعوب.. لأنها الأضعف.
كل العرب في موقع الضحية.. لا هم قادرون على التلاقي والتوافق على حد أدنى في ما بينهم، ولا هم قادرون على »المواجهة«، يستوي في ذلك أصحاب المعاهدات مع إسرائيل وأصدقاء الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها القدامى والجدد في حربها ضد »الإرهاب«.
في 2 آب 2002: كل العرب تحت الاحتلال.
والسؤال: متى ننتقل من عدم الاحتفال بالخطأ الى الاحتفال بالاهتداء الى الطريق إلى الصح وهو معروف جدا لمن يريد أن يرى!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان