في الذكرى الحادية والثلاثين لانفجار الحرب الأهلية في لبنان، يسود جو من الرعب بامتداد الأرض العربية، تخوفاً من تفجر مسلسل من الحروب الأهلية مشرقاً بالأساس، ومغرباً من بعد، لا تبقي ولا تذر.
بديهي القول إن اللبنانيين الذين يتلاقون هذه الأيام على استذكار تلك الحرب في محاولة للاتعاظ بدروسها، لما يبرأوا تماماً من لوثة الدم ومن الجراح التي لما تلتئم وآثارها ما تزال واضحة بل وفاعلة ليس فقط في الجيل الذي عاش في قلب الموت بل خاصة في الأجيال التي تربت في ظل الانقسام والريبة والأحقاد ومشاعر الثأر، والتي لم تجد في الدولة مرجعاً قادراً ومؤهلاً لفتح أفق السلام الوطني وتوطيده.
لقد تمدّدت نيران تلك الحرب فاستدرجت إلى حومتها الفلسطيني وبالتالي الإسرائيلي، ثم النظام السوري، ولو من موقع مختلف وفي دور المكلّف عربياً ودولياً بإطفائها، ثم في طور لاحق جاءت »النجدات« من الاتحاد السوفياتي ومن ليبيا القذافي ومن عراق صدام حسين، ولم تتوقف فعلياً إلا بكارثة أعظم هولاً منها تمثلت بغزو الكويت، وهي الخطيئة التي برّرت التدخل الدولي الأميركي أساساً عسكرياً، ولو بغطاء عربي واهٍ..
اليوم، يتبدى المشهد العراقي مرعباً، ويستعيد معه اللبنانيون، وسائر العرب، صور مآسيهم التي دمرت البلاد وقضت على أكثر من مئة ألف إنسان، وشوّهت جيلاً بكامله أو ربما جيلين.
على أن الفارق الجوهري بين الحالة اللبنانية والحالة العراقية أن الاحتلال الأميركي يجثم بكلكله فوق أرض الرافدين، وهو مهندس الحرب الأهلية في العراق، ليُشغل العراقيين عنه بأنفسهم عبر استغلال تنوع مجتمعهم المتجذر في صلب التاريخ، وهكذا أفرد للأكراد كياناً خاصاً بهم، ثم وظّف »الديموقراطية« لضرب الأكثرية العربية بعضها ببعض عن طريق تحريض أتباع هذا المذهب الإسلامي ضد أتباع المذهب الإسلامي الآخر.
وبهذا فقد فتح الاحتلال الأميركي أبواب جهنم على العرب بمجموعهم، سنة وشيعة، مثمّراً التعصب والجهل وضيق الرزق والذكريات السوداء لعصور الطغيان لمصلحته.
وهذا كله ينذر بتجدد الفتنة بفرعيها، العنصري والمذهبي بامتداد الأرض العربية.
ليس من باب التوهّم أن نتوقع انعكاساً لهذه الفتنة في العراق على الجزائر والمغرب حيث يعمل الغرب، منذ أمد بعيد، على تحريض العرب ضد البربر والعكس بالعكس..
وليس من باب التوهّم النظر إلى ما يجري في السودان على أنه الوجه الآخر للاحتلال الأميركي للعراق.
أما ذروة المأساة فهي هذا العجز العربي الفاضح عن مقاربة المأساة العراقية الذي يكاد يصل إلى حدود التواطؤ على وحدة الشعب والأرض في بلاد الرافدين.
وهذا العجز التواطؤ يمتد إلى فلسطين المتروك شعبها للحصار والقتل واستلاب أرضه ومستقبله، والذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي يومياً إظهار عجز »السلطة« بل وتناقضها، مستدرجاً هذا الشعب الباسل في مقاومته إلى الانقسام والضياع فالاشتباك، بحيث ينشغل بنفسه عن عدوه.
13 نيسان اللبنانية تبدو اليوم كأنها كانت »بروفة« لما يدبر لهذا العالم العربي الذي يبدو راهناً جسماً هائلاً بلا رأس، فلا مرجعية ولا قيادة ولا قدرة على اتخاذ القرار، بما يترك للاحتلال المجال وسيعاً ليقرر مصائر أوطاننا والشعوب.
13 نيسان: لكأنه بداية تاريخ عربي أسود، كانت صفحاته الأولى لبنانية، وها هي الصفحات الأخرى تتوالى ممهورة بدماء الجميع.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان