أيها الحضور الكريم،
لم يكن الأستاذ طلال سلمان مجرد صديق شخصي، بل كانت بيني وبينه وحدة حال لم يقطعها أي منا يوما.
ولم يكن مجرد داعم لنا في “مؤسسة عامل الدولية”، بل كان واحدا من الذين تبنوا عملها الإنساني والنضالي، وبتنا شركاء في العمل، فجريدة “السفير” تبنت نهج العمل الوطني، ونحن تبنينا خدمة الوطن والإنسان.
نحن نتكلم الآن هنا، في مركز المؤسسة الذي كان للأستاذ طلال سلمان الفضل في تأسيسه ورعايته ودعمه ماديا، وهو المعروف بكرمه ولفتته الإنسانية، وتقديم كل ما يستطيع فعله، من أجل خدمة أبناء بلدته وأبناء وطنه.
وليس غريبا على حبيبنا أن يتكفّل بإنجاح هذا المركز، والاستمرار في متابعته، والسؤال الدائم عنه، وعن التقديمات التي يمكنه توفيرها، على المستويين الصحي والتنموي، إن لأبناء البلدة ومحيطها، أو للإخوة النازحين السوريين. فالمنطقة عطشى، لمن يطالب الدولة بالقيام بواجباتها، ويعوض إهمالها، ومن يساهم في تنـمية قدرات الناس فيها، ومن يؤسس لنهضة أبنائها. وأبواب المؤسسة في شمسطار مفتوحة للناس، فهي منهم واليهم.
وها نحن بدأنا السنة الثانية عشرة، وأبواب المؤسسة في شمسطار مفتوحة للناس، فهي منهم وإليهم.
قبل أن نبدأ عملنا في هذا المركز، كان الأستاذ طلال سلمان صاحب القلم الذهبي الذي سخر حبره لهموم الناس ومشكلاتهم وحاجاتهم، وصارع كل من اعتدى على حقوقهم وصادر قراراتهم وانتهك كرامتهم الإنسانية.
وكان يجهر بمواقفه الوطنية والعروبية، وجريئا في نضاله، إلى حد اقتحامه الأخطار من دون أن يهاب خصمه.
إلا أنه على مستوى الأعمال الإنسانية، خارج عمله الصحفي، كان كتوما، يساعد أبناء جلدته وأصدقاءه ومعارفه بصمت. لكننا اليوم نستأذن من روحه النقية الصافية المعطاءة، ونطلق على هذا المركز اسمه، بكل فخر، وفي مناسبة الذكرى الثانية لغيابه، ليصبح “مركز الأستاذ طلال سلمان الصحي الاجتماعي التنموي”، عربون وفاء لرجل كان وفيا لأبناء بلدته، وبلده، وقد ترك لآخرته الكثير من أعمال الخير التي تبقي ذكره الطيب على الألسن.
أما أنا، يا أخي وصديقي، فلم أشعر يوما وأصدقاءك الكثيرين الذين كنا نلتقيهم معا، بأنك بعدت، أو تواريت، أو غادرت عالمنا، فأنت ساكن فينا، وفي كل كلمة حفظناها عنك، وكل لحظة قضيناها معك، حاضر في جلساتنا وحواراتنا، وجدنا وهزلنا، حاضر في شمسطار والخيام، في الجريدة ومناسبات المؤسسة.
وسوف يبقى اسمك على لساننا، وفي قلوبنا، ونبقى مع أسرتك الكريمة العزيزة أم أحمد والأحبة هنادي وأحمد وربيعة وعلي وعائلاتهم، والصديق الوفي الأستاذ حسين أيوب، وأهالي شمسطار الكرام وكل الإخوة والأصدقاء، نخطو معا نحو ما كنت تحب وترضى، ونتشارك معا في السراء والضراء.
أهلنا أبناء شمسطار الكرام،
أيها الحضور الكريم،
يستمر هذا المركز بدعمكم أولا وآخرا، وعلى العهد الذي حددناه وبدعم من أصدقاء الأستاذ طلال ومن ابناء شمسطار الكرام مع فقيدنا الكبير، ونحن في المؤسسة سوف نعتبره من أهم مراكزنا، نتابع أنشطته على أفضل وجه، نطور عمله، مستفيدين من كل المشاريع التي تقوم بها مؤسستنا، إن لجهة برامج الرعاية الصحية الأولية التي يقوم بها، ومجالات الدعم النفسي في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، والاهتمام بكبار السن، وكل مشاريع التنمية التي تحتاج إليها شمسطار ومحيطها.
وأنت يا من تفاخر بانتمائه لشمسطار، نأسف لأنك ترجلت عن متراسك في جريدة “السفير”، حيث كنت تقاتل الذين أفقروا أبناء منطقتك وأبناء الوطن، وسرقوا أموالهم، والذين ظلموا العباد واستغلوا خيراتهم، والذين اغتنوا على حرمان الآخرين.
أنت الذي كنت كبيرا ونكبر بك، هنا هدأت روحك، واستقر ترابك، وأغمضت عينيك. هنا تأنس لطبيعة شمسطار التي لم تبتعد عن فكرك ومخيلتك.
ولا ننسى أنك كنت ابن شمسطار الذي جاب العالم بحثا عن الحقيقة والعدالة ورفع المظالم، وقاوم من أجل الحرية والتحرر من نير الاستعمار الجديد، وناضل بكل ما أوتي من عزم، حفاظا على شرف الأمة، وعلى العهد الذي قطعه على نفسه، أن يكون ابن فلسطين وابن العروبة، وأولا وآخرا ابن لبنان، يقاوم كل من يدنس أرضه، بل كان ابن العالم يقاتل من أجل كل قضية حق في جهات الأرض الأربع.
كنت ابن شمسطار الغاضب الذي لا يضيع الهدف، والمفكر الذي لا يضيع البوصلة، والصحافي الذي عرف كيف يحفر اسمه في منتديات الصحافة لأجيال طويلة. كانت رياح جريدتك تعصف بكل مظلمة، وتكشف الغطاء عن كل مؤامرة. كنت مدرسة في الصحافة الوطنية، تخرجت منها أجيال ملأت الصحافة العربية، وسوف يبقى إرثك حاضرا. فكم مرة رأينا عناوين “السفير” ومقالاتك، بعد توقف الجريدة ورحيلك، توصف حالتنا وتستشرف واقعنا اللبناني والعربي، وها نحن نستعيد قراءتها اليوم في وسائل الإعلام الحديثة.
ما زال حبرك يا صديقي يرسم الماضي والحاضر والمستقبل. ما زال سلاحا لمن يتفكرون. وما زالت مساندتك لنا تاجا على رؤوسنا، واهتمامك بالمؤسسة التي اخترنا اسم عامل معا. وما زلنا نستعير منك ومن كلماتك القوة والإقدام. ونحن هنا، في شمسطار، أقرب إلى ذكرك، وروحك، وظلك، وترابك.
في الذكرى الثانية لرحيلك، أردنا أن نحتضن دفء روحك ومجدك، ونطلق اسمك هنا، على هذا المركز، لتبقى رايتك خفاقة، وتبقى الأجيال تتوارث ما كنت عليه، من مثال للوطنية والإنسانية في كل أشكالها وصورها.
وفاء للاستاذ طلال ولمسيرته النضالية، يجب أن نتعاون فيما بيننا ونواصل تطوير قدرات هذا المركز في خدمة اهلنا في شمسطار والجوار.
ونبقى معا، نبقى معا!