نهاية لحروب العهدين؟!
×××
لا يحتاج الامر الى تصريحات مجلجلة ليست هي من طبيعة سليم الحص، في أي حال، لكن المؤكد ان رئيس »حكومة العهد الاولى« قد عاد من لقاء الرئيس السوري حافظ الاسد، امس، وهو اكثر اطمئناناً الى الوضع عموماً واكثر ثقة بالنفس وبالقدرة على مواجهة »الاشباح«، منه قبل توجهه الى الموعد المنتظر في دمشق.
لقد طال العهد بالرئيس الحص قبل أن يتم هذا اللقاء الذي يجيء نقطة بداية لمرحلة سياسية جديدة اكثر منه ختاماً لمرحلة طويت صفحتها تماماً.
فتسع سنوات بغير لقاء مع الرئيس الاسد هي مدة طويلة جداً، خصوصاً وهي قد حفلت باحداث جسام،
ومع ان سليم الحص ظل قريباً وموضع رعاية خاصة، كما ظل على متابعته ودأبه واستمر يحاول الترشيد والتنبيه داخلياً الى الخطأ من موقع المعارض الديموقراطي، داخل الخط الواحد، الا ان البعد عن مركز القرار حرمه من معرفة الكثير من الوقائع المهمة والاسباب الموجبة لقرارات خطيرة اتخذت، في الداخل كما على المستوى العربي، نتيجة لتحولات دولية مهمة جداً غيرت في خريطة عالم نهاية القرن العشرين.
بعد لقاء الامس يفترض ان يكون سليم الحص قد بات »داخل الصورة«،
فعادة الرئيس حافظ الاسد مع من يطمئن اليهم من زواره، لا سيما المسؤولين في لبنان، ان يرسم لوحة بانورامية كاملة للوضع، في المنطقة، بكل المصاعب والعقبات والاحتمالات، مع توكيد بالوقائع الملموسة على القدرة على الصمود في وجه خطط التوسع الاسرائيلية، خصوصاً في ظل حكومة التطرف التي يقودها نتنياهو التي اطلقت رصاصة الرحمة على ما كان يسمى »العملية السلمية«.
وبديهي القول ان معرفة الرئيس الاسد بلبنان استثنائية في شمولها كما في إلمامها بالتفاصيل الدقيقة، بدءاً بطبيعة النظام وعلاقات الطوائف بالسلطة والحساسيات المذهبية، مروراً بحراجة الوضع الاقتصادي وما ينتجه من ازمات على الصعيد الاجتماعي، وانتهاء بالخصومات والحسابات الشخصية للعديد من السياسيين والقوى، والتي تظهر اكثر ما تظهر في فترة الانتقال من »عهد« الى »عهد«.
ثم ان الرئيس حافظ الاسد هو راعي العهدين، »الماضي« و»الجديد«، وتزعجه حروب التشهير بينهما، ودوره الطبيعي ان ينصح بتجنبها، وان يدعو للتضامن بين كل »ابناء الطائف« ورفاق السلاح (ولو نظرياً) في اقامة الجمهورية الثانية.
فالرئيس الأسد لم يكن في أي يوم طرفا في أي مخاصمة أو انتقام أو مكايدة محلية،
وبالتأكيد فإن المكايدات أو »الحرتقات« المحلية تزعجه، خصوصا وأن الأوضاع في المنطقة أخطر من أن تتيح لأي طرف عربي مثل هذا الترف، فكيف لسوريا التي تتحمل تبعات قيادة الصمود العربي عموما، وتتحمل مسؤولية استثنائية عن وضع لبنان بالذات، بأساسياته كما بتفاصيله…
فالعالم كله، وليس العرب وحدهم، ينظرون الى سوريا، بالرضا أو بالعتاب، بالتقدير أو باللوم، على كل ما يقع في لبنان، سواء أكان إنجازا أم كان تقصيرا..
لهذا كان طبيعيا أن تجد »المعارضة« المفترضة للعهد الجديد، وسواء تمثلت بوليد جنبلاط أم برفيق الحريري أم بآخرين من خارج الذين شاركوا في السلطة طوال عهد الياس الهراوي، مكانا لها في دمشق، وأن تجد من يستمع إلى وجهات نظرها ومطالبها وتصوراتها لما تفترض انه الأفضل في بناء لبنان الجديد.
كما سيكون طبيعيا أن تهدأ الحملات التي اتخذت في الأسابيع الأخيرة سياقا محموما، من دون أن يلغى هامش المعارضة أو الاعتراض،
»كان اللقاء ممتازا، ومريحا جدا، ولم يكن ثمة أي تحفظ«،
هكذا لخّص الرئيس الحص نتائج جلسته الطويلة، أمس، مع الرئيس السوري حافظ الأسد.
لكن سوريا تبقى »المرجعية الشرعية« للجميع، وهذا دورها الطبيعي،
فلا أحد يحمل مفاتيح باب دمشق كامتياز شخصي، ولا أحد يستطيع ادعاء النطق باسمها أو ادعاء احتكار تمثيلها.
»الكل أبناؤها«، حتى مَن قصّر أو أخطأ أو أساء القدير،
والعهد الجديد امتداد، وإن تم التبديل، في الأسلوب والتجديد في اللغة، وهو يستمد شرعيته من هذه الحقيقة حتى وان عدَّل وطوَّر وحذف وأضاف في مقاربته للمسائل والمشكلات المطروحة، وهذا من حقه، بل لعله من واجبه فالظروف ليست هي الظروف ويجب أن يُعاد النظر في الأولويات في ضوء المستجدات وما أكثرها على امتداد خريطة الوطن العربي بداية بما جرى ويجري لفلسطين المحتلة والعراق وما يجري في إسرائيل وعلى يديها، وفي الولايات المتحدة الأميركية، وعلى يديها، للعرب عموماً، وهو أخطر بما لا يقاس من أن يترك مساحة للاهتمام »بحروب الحلفاء« فوق الساحة السياسية (سلطة ومعارضة) في لبنان.
إن الهدوء على الجبهة اللبنانية مطلب قومي،
من دون أن يعني ذلك انعدام المعارضة أو التهليل لكل ما يصدر أو يعلن باسم العهد الجديد.
إن حماية لبنان ضرورة قومية، وليس من العدل أن تترك مثل هذه المهمة لسوريا بينما ينهمك حلفاؤها في لبنان في حروب الأشباح التي تتوالد باستمرار فتربك الجميع.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان