عيد .. بأية حال؟
****
لي سنوات أتحسس فيها طريقي إلى عالم الصحافة والخطابة والكتاب لأتعلّم، إلا أن الساحة التي حاولت فيها أن أدرّب فهمي على ما يُنشر ويُقرأ يُقال في العالم أخذت تتسع على وعيي وفهمي للأمور، لذلك ما أكتبه الآن هو من هذا الذي أشكو منه، ولعلي إذ أستجدي من ذاكرتي، التي أضعفتها الشيخوخة، ما سمعته من أصداء أو قرأته في »السفير« وأسرة »السفير«، أستقبل منها أطيب الروائح وأصدق ما تكون لغة الصحافة الحرة والهادفة إلى الخير. وقد كان ذلك من ذاكرة استجابت لهذه المناسبة التي يتراءى لي أن أمسها لم يعد لها منه غير الذكر الحسن، وهكذا مع كل ما تنشره الحياة من روائح عن جيلنا هذا الذي غداً أو بعد غد سيستلمه المستقبل في أجيال لها تفكيرها ولها أنوفها التي تشم بها روائحنا، نحن هذا الجيل، إن كنا رؤساء أو مرؤوسين، إن كنا صحفيين أو كتّاباً أو أرباب مذاهب ونظريات، إن كنا رعاة أو رعايا، فعسى أن تستقبل »السفير« في أسرتها الغد وما بعد الغد بمراجعة واسعة سعة مفاهيمها للمتغيرات والتبدلات كل شيء، وكل تبدلات أو متغيرات لا تأتي إلا من الإنسان ذاته، ولو أصغينا إلى ما حققه الإنسان اليوم، وهو قليل من كثير، كما جاء في القرآن الكريم »وما أوتيتم من العلم إلا قليلا« لتواضعنا كثيراً.
الأخ طلال:
ألا تتصور معي أن الإنسانية اليوم واقفة بها قدمها العقلية والذهنية على مدرج البُعد الإنساني الأوسع من الفضاء، وأن هذا البُعد سيحمله القلم الذي شرف بالقسم الإلهي، بفكر جديد وملابس من الفكر جديدة. ولأن »السفير« تدخل عامها الخامس والعشرين، أيمكن لصديق »للسفير« وأسرة »السفير« أن يتساءل، كما تساءل أبو الطيب بقوله:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟
لو كنت صحفياً أو كاتباً أو بيدي مسؤولية عن قيادة شعب من الشعوب العربية بالذات والإسلامية لحرثت نفسي وأوجعتها بالحرث إلى أن ترق لي وتأتي بالجديد الباسم الوجه والمضيء لي سراجه عتمة الليل الطويل على بعض المفاهيم والعقول التي لا تدري ما وراء الآفاق التي يجب أن نتخيلها ولا نستقبل منها غير الكريم والمؤثر في حياة كريمة لإنساننا العربي والمسلم.
ولأن عقيدتنا لم تكن عقيدة شح ولا عقيدة تعصب وعصبية، ملابسها واسعة تسع الإنسانية كلها، لنصغ ونواصل الإصغاء، إن كنا صحفيين أو كتاباً أو رجال دين، إلى أنفسنا وإلى ما في العالم البعيد عنا والقريب ونثير من أعماقنا ما كان راكداً وساكناً في ترابية الذات، وهو فيض روحي وإنساني وعقلي لعل غدنا يخفف من آلام أمتنا الكبرى ويطل بنا على العالم في ملامح كريمة من الماضي، وهكذا نواصل الرحلة وإن كانت شاقة إلى أن يصل بنا الكدح والجهد الى ما كان لنا في التاريخ من حضارة ومدنية وقيم إنسانية، ونستحضر دائما قول أبي الطيب »عيد بأية حال عدت يا عيد« ونوغل فكرنا وخيالنا في أبعاد هذا التساؤل.
وإلى »السفير« وأسرة »السفير« والأخ طلال أمنياتي الطيبة وتفاؤلي لهم مع الغد بما يحقق لهم خلوداً في عالم الصحافة، وأن يكون لهم من ماضيها سراج لا ينفد زيته ولا يخبو ضوؤه، وهو كائن إن شاء الله.
عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري
السفير، 2631999