ابشروا يا مسلمي الأرض،
وليطمئن المسلمون في البوسنة والهرسك على وجه الخصوص، ولتقر عيونهم وليهنأ بالهم: فأخوتهم في الدين قادمون لنجدتهم من كل فج عميق،
ألم تأخذ الحماسة بل غيرة الدين بتلابيب “المملكة” حامية حمى المسلمين، فكادت تقرر تسيير جيوشها لتدمير عدو الله والدين في بلاد الكفرة من الصرب والكروات والسلوفينيين؟!
وبعد “المملكة” ها هما الرئيسان التركي والمصري يشمران عن سواهد الإيمان ويهددان بقمة إسلامية لا تبقي حجراً على حجر في يوغسلافيا السابقة وكل من ناصرها، إذا لم تتوقف حرب الإبادة ضد مسلمي البوسنة والهرسك…
سبحان الله الذي يهدي من يشاء، ساعة يشاء… ففي البوسنة فقط صار حكام المسلمين مسلمين!
لقد اهتدى، إذن، توركوت أوزال، فقرر أن يعود مسلماً حنيفاً، ولم يعد يطمح لأن يكون أوروبياً وغربياً، ولو بالتجنس إذا ما عزت الجنسية، وها هو يشهر سيف الإسلام الذي ذبحته الأتاتوركية من الوريد إلى الوريد، مهدداً الصرب بالويل والثبور وعظائم الأمور،
ولولا انشغال الجيش التركي بإبادة “أتراك الجبال”، أي الشعب الكردي في تركيا، لكانت أنقرة وجهته بلا إبطاء إلى يوغسلافيا لتنصر به دين الله الحق،
أما الرئيس المصري الذي أذلته الحاجة وأقعده الإذلال الإسرائيلي (الأميركي) عن الجهاد في سبيل الله، فها هو يتحرر بقوة الإيمان ويرفع الصوت منذراً،
… ولولا انشغال قواته المسلحة، الأمن المركزي بإسناد من الجيش، في مكافحة “الإرهاب الإسلامي” و”تطرف الإسلاميين” و”بدع الأصوليين ممن يحتكرون لأنفسهم الله ودينه الحنيف”، لكان قد دعا المصريين فوراً إلى الجهاد، ولكن التحق بـ “المملكة” كما التحق بها من قبل تدعيماً للدين وحماية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها!
قاتل الله المسؤوليات “الداخلية” الجسام، فحكام المسلمين بأكثريهم الساحقة مشغولون بتوفير الأمن والطمأنينة والرفاه والعدالة والكرامة لرعاياهم المسلمين…
ألست تراهم في الجزائر، التي كانت توصف بأرض المليون شهيد، فصارت أو تكاد أرض العشرين مليون شهيد، ليس بينهم ولله الحمد “رومي” واحد… ألست ترى الحكم هناك منهمكاً في معركة لا ترحم مع أولئك الذين يدعون إنهم وحدهم المسلمون؟!
… وفي الكويت: الم تر كيف طرد حكامها مئات الألوف من “المرتدين” الفلسطينيين واللبنانيين والسودانيين والجزائريين واليمنيين، عقاباً لهم على تنكرهم لرسالة الإسلام وطعنهم بإيمان شوارزكوف وجيوش التحالف الدولي بالقيادة الأميركية وهي ما اجتاحت الجزيرة والخليج والعراق إلا لنصرة الإسلام والمسلمين، بغير أن تطلب جزاء أو شكوراً إلا مرضاة الله سبحانه وتعالى ودخول جنة نفطة الفيحاء؟!
على أن “المملكة” قد ذهبت أبعد من ذلك فمنعت حتى استيراد الفاكهة والبطاطا والحمضيات من لبنان، على سبيل المثال، لأنها شكت في أن تكون هذه الثمار غير شرعية، أو أن يكون من زرعها وأنتجها وعلبها ونقلها من المشركين بالله،
أما في فلسطين فإن سيوف جميع الحكام المؤمنين قد تقاطعت على أولئك الذين أضلهم الشيطان فاعترضوا على قدر الله، وحملوا السلاح بوجه ورثة نبي الله موسى وذرية شعب الله المختار، فكان لا بد من أن يعاقبوا أشد العقاب حتى لا يكون سلوكهم فتنة… والفتنة أشد من القتل!
طريفة هذه الغيرة على المسلمين تصدر عن الذين يطاردون الإسلام والمسلمين في أربع رياح الأرض!
وهل أقسى على المسلمين من حكام المسلمين؟!
وهل ترك حكام المسلمين رمقاً في المسلمين، رعاياهم البسطاء والفقراء حتى الأملاق؟!
بل هل ترك حكام المسلمين لرعاياهم المسلمين فرصة للتعرف إلى دينهم والعمل بموجب مبادئه: ألا يبعثون إلى المقصلة كل من هرب من ظلمهم إلى الله مفترضاً أن “الإسلام هو الحل”، وإن كل ما يتمناه “فوق، في السماء”، طالما إنه تثبت بالدليل القاطع إنه ليس “تحت”، على هذه الأرض الفانية؟!
إن المسلمين يذبحون ذبح النعاج، يومياً، في كل أرض يقوم فوقها “حاكم مسلم”.
من أفغانستان إلى باكستان وبنغلادش، ومن تركيا إلى المغرب، مروراً بالعراق الجريح و”المملكة” التي ما يزال حاكمها يناقش إقامة “مجلس شورى” يعينه هو منذ أكثر من ستين سنة من دون أن يقيمه،
ومن مصر الغارقة في دمها إلى تونس المطارد بعض شعبها إلى الجزائر المعتقل كل شعبها، إلى فلسطين حيث يكسر المحتل عظام أطفالها ويقتل رجالها ويسبي أرضها ويطرد شعبها إلى العدم، وحكام المسلمين يغمضون عيونهم حتى لا يروا ما يسوءهم!!
ومن تركيا التي ترجها الحرب الأهلية رجاً والتي أبادت من الأكراد كما من رجال قواتها المسلحة أكثر مما أباد الصرب في البوسة والهرسك،
إلى الكويت التي لا تجد ما تدفعه لشعب الصومال الذي يبيده الجوع، بينما يتسلى بعض شيوخها وخدمها ببعضة مليارات من الدولارات “يخسرونها” في مشروع استثماري وهمي مع مجموعة من النصابين الاسبان،
إلى لبنان حيث تفتك طائرات المحتل الإسرائيلي ودباباته ومدافعه كل يوم بالمزيد من بيوت “المسلمين” وأرزاقهم (ناهيك عن أرواحهم)، بينما حكام المسلمين يتفرجون، فإذا نطقوا انحوا باللائمة على أولئك “المتطرفين” و”المتهورين” الذين يقولون بالمقاومة فيورطون البلاد والعباد!
من لهؤلاء المسلمين جميعاً؟!من يعينهم على حكامهم؟
من يرفع عنهم الجور والإذلال والمهانة والقمع اليومي الذي يأتيهم من حكامهم وليس من الأجنبي الكافر؟!
طبعاً لا يعني هذا الكلام تبرئة المسؤولين الصرب من جرائمهم ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، فهم بالقطع سفاحون وما يرتكبونه مجزرة بكل المعاني، سياسياً وإنسانياً، دينياً وحضارياً،
لكن القصد إنهم ما كانوا ليجرؤوا على ارتكاب حرب الإبادة هذه لو أن حكام المسلمين كانوا أرحم بشعوبهم، وأكثر حرصاً على كرامتهم وحقوقهم الإنسانية.
إن الأكثرية الساحقة من المسلمين يعيشون في ظروف ليست أسعد حالاً بكثير من هذه التي يعيشها “أشقاؤهم” في البوسنة والهرسك.
إنهم يعيشون في ظل حكام طغاة يحرمون من أبسط حقوقهم: فلا رأي ولا حرية قول أو حق انتخاب ولا مشاركة في أي شأن من الشؤون، وهم مستبعدون عن القرار جميعاً، يساقون إلى الحرب أو يفرض عليهم الصلح مع العدو فيعرفون من أجهزة الأعلام الرسمية إنهم وافقوا وبالإجماع!
إن مشكلة المسلمين الأولى مع حكامهم،
فلنبدأ من حيث يجب أن تكون البداية،
ولن يتبدل واقع الحال على مسلمي البوسنة والهرسك، فالعاجز لا ينصر عاجزاً، والمقموع لن يفيد مقموعاً، والمقتولة كرامته الإنسانية لن ينفع من يقتل جسده بعدما قتلت فيه الروح!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان