هل انتهى التاريخ حقاً؟!
وهل انقضى عصر الأفكار والعقائد والثورات بل واحتمالات التغيير كافة؟!
هل قُضي الأمر وتحوّل الإنسان إلى مجرد »مُتلقٍ« أو »مستهلك« أو »تابع« للقوة المهيمنة، في الداخل لحساب الخارج، أو على امتداد العالم، أي إلى مجرد »مُستنسَخ« عن ذلك الحيوان الناطق الذي كان ذات يوم قادراً على الفعل والتأثير والتغيير والإبداع، بالفكر والعمل، من أجل ما يحقق له كرامته الإنسانية ويوفر له حقوقه الطبيعية؟!
وهل انكفأ عرب نهايات القرن العشرين القهقرى إلى جاهليتهم: يصطنعون لهم آلهة من التمر حتى إذا جاعوا أكلوها، مع فارق مثير وهو أن »آلهة« هذا الزمان تأكلهم كل يوم وسواء أكانوا نفطاً أم غازاً، قمحاً أم تفاحاً، ممالك أم جمهوريات أم إمارات لا تملك مبرراً لوجودها إلا أسباب موتها؟!
إن حملة عالمية هائلة القوة والقدرات تشن الآن على الأفكار والعقائد وخيار الثورة، لتيئيس البشر المقهورين في أربع رياح الأرض من إمكان تغيير »أقدارهم«، سواء أكانت إسرائيلية، كما في بلادنا، أم أميركية، كما في بلادنا وبلاد الآخرين أيضاً.
وهي، في حقيقتها، حملة على الإنسان، تقزّمه وتحقّره وتلغي أي دور له أو أثر في مصير بلاده، حاضرها ومستقبلها،
لا أمل في أحد، أو في شيء، ولا مجال غير الاستسلام لما يقرّره لك وعليك »المهيمنون« الجبابرة الذين يعرفون كل شيء عن كل الناس في كل البلاد، لا يخفى عليهم سر ولا تغفل عيونهم عن شاردة أو واردة، وهم مَن يقول لكل أمر »كن فيكون«!
وفي بنود هذه الحملة تهشيم الثوار، وتدمير تراثهم وتجاربهم السياسية، لا سيما الناجحة منها، وتحقير صورة إنجازاتهم، وتحويلهم إلى مغامرين ومخرّبين وطغاة مهووسين بالدم من أجل السلطة، لا أخلاق لديهم ولا دين ولا قيم، وإنما مجرّد أبناء مصادفات خرجوا على الشرعية بدباباتها وقاتلوا الناس بمطامحهم وخرّبوا بلادهم فأوقعوها في شرك الهزيمة التي لا قيام بعدها!
الجانب الآخر من المهمة يكمله المتعصبون والجهلة والمبالغون في عاطفيتهم إلى حد إيذاء الذات ودفع الناس الى اليأس من أنفسهم ومن قدراتهم، وذلك بتصنيم الثوار، مما يؤدي إلى اغتيال فكرة الثورة ذاتها وتحويلها إلى نوع من الطقوس الاحتفالية الباردة بماضٍ لن يعود.
إن الثورة بما هي إرادة التغيير وتحقيق كرامة الإنسان في مجتمعات متخلفة ومقهورة ومقموعة هي الغد، وهي الطريق إليه.. بلا أصنام!
ولقد يخطئ الثوار، بوصفهم بشراً، ويخطئ أكثر من ينصّبهم آلهة ويتحوّل من رفيق سلاح يقاتل معهم من أجل غد أفضل إلى مجرد متعبّد بليد أو مجرد تابع لمن غاب ولن يعود، أي إلى أداة تشهير بالثورة والثوار.
ولسوف تجف عروق الثورة، اذا لم يجددها الفكر الخلاق المنفتح على العصر والمعزز بحق النقد الصارم للتجربة وكشف جوانب الخطأ والتصحيح المستمر من اجل الهدف الانساني النبيل.
في الذكرى الخامسة والاربعين لانفجار ارادة التغيير بقيادة جمال عبد الناصر، في حركته الثورية يوم 23 تموز (يوليو) 1952، يتطلع الانسان العربي الى من يكمل تلك المحاولة الشجاعة والفذة لتغيير صورة مصر والعرب (ومعهم المسلمون وعموم المضطهدين والمقهورين في الارض)،
يهرم الثوار ولا تهرم الثورة، يموت المفكرون ولا تموت الافكار، يرحل الذين استهلوا صفحات جديدة ومشرقة في التاريخ الذي كانت الشعوب تعيش خارجه، ولا يرحل التاريخ ولا الذين يعدلون في مساره بحيث يكون سيرة النضال الانساني لا سيرة القاهرين والمهيمنين بالعسف.
وجمال عبد الناصر، كفكرة وكرمز وكتجسيد للقدرة على التغيير، في الغد وليس في الامس، لمن يريد ان يحرر نفسه من اسار قهره الراهن.
وانها لمناسبة طيبة ان نحتفل بهذه الذكرى المجيدة ومعنا رمز مضيء آخر من رموز القدرة على التغيير: احمد بن بله، ومعه تراث ثورة المليون شهيد.
لكن الغد يبقى هو الهدف، هدف الفكر والعمل، هدف الثورة ومبدعيها وجنودها الذين صنعوا ويصنعون التاريخ: الناس!
وعبدة الاصنام لا يصنعون الغد بل يغتالونه!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان