يتسع البلد، على صغره، لحكومة استثنائية، برئيسها أساساً ومشروعه المضمر استطراداً، ولمجلس نيابي استثنائي هو الآخر، بتكوينه العام الغني التنوع ثم برئيسه الآتي من حيث كانت الكلمة للسلاح، ولو اضطراراً، إلى حيث الكلمة هي السلاح بداية وانتهاء.
ومن المبكر أن يقع التناقض أو التنافر بين هذين “الاستثناءين”،
وليس مقبولة تلك المعادلة التي يراد فرضها على اللبنانيين: إذا أردتم حكومة استثنائية بقدرتها على الإنجاز والإنقاذ، فلا بد من التضحية بهذا المجلس النيابي الذي جاء – هو الآخر – باسم الإنقاذ، ناهيك بالتغيير والتحرير والوفاء للمقاومة الخ.
الوجه الآخر لهذه المعادلة غير مقبول أيضاً: فليس شرطاً لاستثنائية المجلس النيابي في قدراته أن تكون الحكومة عادية إلى حد الخواء وتصريف الأعمالز
إن المطلوب كثير جداً، وليست مبالغة أن يقال إن لبنان يحتاج إلى قدر من الاستنثائية في كل مجال لاستنقاذه:
*في التربية والتعليم، من الجامعة الوطنية إلى المدرسة الابتدائية (الرسمية طبعاً)، ومن الهيئة التعليمية إلى المبنى ولوزامه
*في الصحة والاستشفاء، من الاتجار الأسود بالدواء إلى الابتزاز الاسود في العلاج، إلى المستشفيات (الحكومية طبعاً) وتجهزياتها التي بغيابها تصبح مجرد “نكايا” للمنتفعين والمرتزقة وعديمي الكفاءة (إذ أن الأكفاء يذهبون إلى حيث يمكنهم أن يعملوا)
*في الموارد المائية والكهربائية حيث الفضائح مشعة ملتهبة تقدم العجز في إطار من النار والنور
*في الاتصالات السلكية واللاسلكية وحدث عنها وعن مخازيها ولا حرج،
*في تطهير الإدارة وإعادة تنظيمها وتجديد شبابها وتحديث قوانينها وعصرنة أدوات الإنتاج فيها… فهل من المعقول أن تستمر حالة العداء الراهنة بين الإدارة وبين الكومبيوتر في بلد يكاد يكون وكيل أجهزة الكومبيوتر في كل المنطقة؟!
*في العدل ومؤسساته حيث تشتد الحاجة إلى ثورة حقيقية تصحح ما يمكن تصحيحه في سلم القيم، وليس فقط في سلم الرتب والرواتب.
ومفهوم أن يكون “أكلة الجبنة” و”القطط السمان” و”اللصوص الشرعيون” إجمالاً أعلى دخلاً من سائر عباد الله في البلدان الآخذة باقتصاد السوق
أما أن يصل ظلم القيمين على العدالة إلى حيث وصل في لبنان فأمر مرفوض ليس لدواع إنسانية وما يتصل فقط بكرامة المنصب وشاغله، وإنما قبل ذلك لأسباب مبدئية وسياسية: فكيف ستقوم دولة حيث لا قضاة ولا عدالة؟!
وإذا ما استبعدنا امتيازات “الكبار” وحتى “المتوسطين” من العاملين في القطاع الخاص، فإن أية مقارنة بين القضاة وبين “زملائهم” من موظفي القطاع العام، عسكريين ومدنيين، تكشف كم هو مخز هذا الوضع الذي يعيشه من يطلب منهم رفع الغبن ومنع الظلم وإحقاق الحق.
إن دولة يستقيل قضاتها – بشكل شبه جماعي – حفاظاً على نزاهتهم، وعلى كرامة سلك القضاء، لا يمكن أن يستقيم بناؤها، ولا يمكن أن تستعيد ازدهارها واستقرارها ودورها المفتقد.
ومخطئ من يظن أن الحلول ستأتي مع الأموال من الخارج.
إن الحلول يجب أن تستولد هنا، ويجب أن يبتدعها اللبنانيون، أما الأموال فهي أموال اللبنانيين بالدرجة الأولى معززة ببعض المساعدة والإسناد من الخارج،
لقد تزاحم المتمولون على دخول هذه الحكومة الاستثنائية، وحرد بعض من جانبه الحظ فلم يدخل جنتها.. أتراهم يفترضون أنهم أتون ليأخذوا مما سيعطي العرب لبنان وشعبه؟!
ليس أكثر من المهمات التي لم تجد رجالاً يقومون بها في الماضي، أو إمكانات تساعد على إنجازها،
والمنطقي أن تتنافس الحكومة والمجلس على الإنجاز: السرعة فيه وإتقانه تحقيق العدالة الاجتماعية عبره، بحيث تصير الدولة – أخيراً – للجميع وليس لفئة أو لجهة أو لطائفة على حساب المجموع.
وقد تنجح الحكومة في تهميش دور المجلس، ولكنها بذلك تكون قد حولت نفسها من مرجع صالح ومن منقذ إلى “طرف” يستنفد الكثير من جهده في مخاصمة “طرف” آخر هو شريكه بالضرورة،
كذلك قد ينجح المجلس في تعطيل الحكومة وكسر هيبته، ولكن ذلك سيكون انتحاراً وليس انتصاراً،
فالناس تنتظر الإنجاز،
والنجاح للجميع، كما إن مسؤولية الفشل على الجميع،
وبقدر ما يأمل الناس أن يكون النجاح استثنائياً فإن الفشل – لو وقع، لا قدر الله – سيكون استثنائياً في كارثيته.
وحتى إشعار آخر فلا مجال لنجاح مؤسسة على حساب الأخرى، بل إن المؤسستين محكومتان بالتعاون الاستثنائي وبالنجاح الاستثنائي.
… وبوسع سياسة “فرق تسد” أن ترتاح قليلاً، لأسباب قاهرة أبرزها استثنائية المجلس العنيد والحكومة الحريرية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان