ينفث طلال سلمان دخان النهاية من سيجارته، وبنبرته الهادئة يقول: “هذه المهنة حياتي، لا حياة خارجها إطلاقاً”. الوجوه تتساءل: كيف حدث ذلك ومتى؟ وآدم شمس الدين يختار لشريطه طريقاً آمنة. الذريعة؟ “البحث عن أجوبة، و”السفير” تلفظ عددها الأخير، يستحق التأجيل”.
أعاد الصحافي الطَموح الناشرَ طلال سلمان خلال شريط أعدّه بعنوان “السفير، العدد الأخير” (“الجديد”)، إلى لحظة ارتبط فيها حلم الجريدة بصوت الجرس. 43 عاماً مرت على بكائه حين كاد صدور الطبعة الأولى أن يتعثّر لعطلٍ في المطبعة. “نعم بكيتُ”، قال مستعيداً حماسة الانطلاق ورسالة الكلمة. طابعُ الشريط العرض، لا البحث. السرد، لا الاستقصاء. منذ البداية حسم وجهته: “البحث عن أجوبة في الأروقة والصفحات والعيون، مستحيل. الجواب يستحق التأجيل احتراماً للوداع الأخير”، واتخذ حديثاً آخر. أمام حزن النهايات، يهوى المرء أحياناً الهروب في اتجاه معاكس. يتهيّأ له أنّ المشاعر تبلغ حساسيتها الفائقة والأمزجة لا تحتمل تعكيرها. ربما لأنّه يكفي تصديق التحايل على الانكسارات، وربما لأنّ الكلمات أمام المصير غير المتوقع لم تعد تُجدي، فيصبح سيّان إجابة طلال سلمان عن سؤال الـ”لماذا” وعدمها، وحتى طرحه عليه أو تفادي ذلك تحت أيّ ذريعة. بستين صفحة جاء الوداع، وفي الأروقة وخلف المكاتب، روى زملاء التعلُّق والانتماء وتحديات الظرف والحرب. لا مفرّ من ربط تردّي الوضع العربي بتأثر “السفير”، وفق نهلا الشهال، وتحدّث آخرون عن أحلام راودتهم فانتقلت عبرهم إلى القراء. لعلّ ذلك محاولة لتغيير أجواء الذكريات، فلا يُحصَر الشريط باستعادات من الماضي، وهي، بأهميتها، ليست جواباً شافياً. بدت استفهامات مثل “من حاول اغتيال طلال سلمان؟” و”مَن يقف وراء تفجير مطابع السفير؟”، تابعة لأسئلة غائبة، لن تعوّضها وتملأ نقصها، ولكن لا حيلة من دونها لاكتمال الشريط. الموسيقى حزينة مثل كلّ النهايات، واسكندر حبش يختزل الوداع بأجمل ما غنّت فيروز: “ودايماً بالآخر في آخر، في وقت فراق”.
فاطمة عبد الله