لا يمكن الحديث عن »الأمن« في بلد مثل لبنان بمعزل عن السياسة.
بالمعنى الأمني البحت، أي بمعنى الحوادث التي قد تقع في أي بلد (منازعات بين أفراد، خلافات شخصية قد تصفى باللجوء إلى السلاح، غراميات دموية الخ) لا مجال للتذمر أو الشكوى، خصوصاً متى أخذت ترسبات الحرب الأهلية وتداعيات الضائقة المعيشية بعين الاعتبار.
أما بالمعنى السياسي فإن »الأمن« يرتبط مباشرة بجوهر الأزمة التي يعيشها لبنان ومعه المنطقة، واسمها الصريح هو الصراع العربي الإسرائيلي بمختلف التعبيرات المباشرة أو غير المباشرة عنه والتي تتمظهر في لبنان بتجليات مختلفة يتداخل فيها الاقتصادي مع العسكري والأمني مع السياسي والاجتماعي مع الطائفي إلخ.
وليس من باب التخويف أو التوهم أو الابتزاز السياسي أن تتجه الأنظار والظنون عند أي حدث أمني كبير إلى إسرائيل، خصوصاً بعدما ترسخت صورتها »كعدو« في أذهان الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وبقوة الواقع المحسوس والثقيل الكلفة.
هذا من حيث المبدأ، أما من حيث التوقيت، ومن حيث التفصيل فإن ما تعارف اللبنانيون على تسميته »الاستحقاق الرئاسي« هو موعد ملائم تماماً للضغط أمنياً على لبنان، لابتزازه (ومعه سوريا) سياسياً.
وليس من باب التجني أو أخذ الناس على الشبهة أن ينظر إلى التفجيرات ومحاولات التفجير التي تمت أو كادت تتم مؤخراً، ومن ثم الى الشبكات التخريبية التي كشفت (أو التي ستكشف)، باعتبارها بعض »الرسائل الأولى« التي قد يكون لها ما بعدها، والتي تستهدف الاعلان مجدداً عن أن إسرائيل »طرف مؤثر« وصاحبة رأي (أو صوت) في الشأن الداخلي اللبناني، أقله بقدرتها على التخريب وربما خلط الأوراق.
إن إسرائيل نتنياهو بالذات تعتمد سياسة هجومية شاملة على مختلف الجبهات العربية، بما في ذلك مع الأطراف الذين وقعوا معها المعاهدات واتفاقات التنازل الجزئي أو الكلي… فكيف مع »الصامدين«؟!
وإسرائيل نتنياهو قد اختارت ومنذ حوالى العام، مع لبنان بالذات، سياسة هجومية عنوانها »لبنان أولاً«، لابتزاز الفلسطينيين، ولاستفزاز السوريين ولتخويف اللبنانيين، ربما التخويف يعيد إنعاش أجواء الانقسام في ما بينهم أو يهز العلاقة الاستراتيجية التي باتت تشدهم إلى سوريا.
وباختصار فإن ما شهده لبنان في الأسبوعين الفائتين قد يكون مقدمة لحفلة ألعاب نارية إسرائيلية، تمهد لصيف حار في بلد يعتبر الاستقرار أهم رأسمال وأهم استثمار وأهم ضمانة للانتقال الطبيعي من العهد القائم الى العهد الجديد.
إن العرض الإسرائيلي المشروط لتنفيذ القرار 425، لم يسقط بعد، برغم انكشاف طبيعته كمناورة ذكية ومدروسة تستهدف رمي الآخرين بالإحراج، وإرباكهم وإلزام لبنان ومعه سوريا بموقع دفاعي ضعيف نسبياً، بينما يتفرغ نتنياهو لابتزاز الطرف الفلسطيني الضعيف أصلاً حتى… الشبر الأخير من أرضه!
وعلى امتداد الشهور الثلاثة التي تفصلنا عن الموعد الطبيعي للانتخابات الرئاسية، فإن محاولات الضغط الإسرائيلية ستتوالى، وقد تتخذ شكل التصعيد الأمني، بل وربما بلغت ذروتها في شهر أيلول، مثلاً، بتحريك لقوات الاحتلال يوحي وكأنها ستنسحب تنفيذاً للقرار المنسي، وذلك لاستثمار الاضطراب الذي يراهن نتنياهو على استيلاده بمثل هذا القرار.
إن مثل هذه القراءة لاحتمالات الحركة الإسرائيلية في شهور الصيف الآتية تصب في ضرورة التنبه والاستعداد للأسوأ، ودائماً انطلاقاً من أن إسرائيل عدو، وأنها تريد إثبات قدرتها على التأثير،
ولعل إسرائيل نتنياهو تريد أن تنتزع وبالنار »حق الفيتو«، فتعطل وصول هذا المرشح أو ذاك، الى الرئاسة عبر الإرباك المتعمّد والمقصود للحكم، وعبر طرح احتمالات وإثارة مخاوف جدية قد تلقي بظلها على القرار الأخير حول »الشخص المناسب في التوقيت المناسب« لهذا الطور من الصراع العربي الإسرائيلي بانعكاساته المباشرة على الوضع القلق في لبنان،
على أن التجارب، بما في ذلك الشبكات الأخيرة، قد أكدت ان لبنان اكتسب من المناعة ما يستطيع به أن يخرج منتصراً من محاولات التخريب السياسي بالعمليات الأمنية التي تفتقد الآن »الجمهور« المخدوع بها، كما تفتقر إلى فرص النجاح الميداني!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان