١- مكسيم شاب فرنسي في العقد الثالث من عمره. نشيط، رياضي، يحب المشي في الطبيعة وخاصة في المناطق الجبلية. ماكسيم يؤمن بأن عليه المساهمة في الحفاظ على الطبيعة، ولذلك استغنى عن سيارته الخاصة وأصبح يتنقل بشكل دائم على دراجته الهوائية. كما أنه توقف عن استخدام الطائرة للسياحة مفضلاً القطار، وهو يراقب بقلق مشاكل الانبعاث الحراري وارتفاع حرارة الأرض، ولهذا شارك ويشارك بانتظام في حملات حماية البيئة وزراعة الأشجار في المناطق القاحلة.
لم يهتم يوماً بالسياسة وليس له رأي واضح في القضايا الهامة التي تقوم الحروب من أجلها.
بدأ وعيه بفلسطين عندما لاحظ كيف يقوم المستوطنون بقلع أشجار الزيتون المعمِّرة لوضع بيوت اسمنتية مكانها وطرد أهل الأرض منها، واعتبر أن هذا لايجوز، لامن أجل البيئة ولا من أجل الإنسان.
هو اليوم يراقب بقلق ليس فقط الكارثة الإنسانية في غزة ولكن أيضاً انعكاس الحرب على البيئة بما تسببه الآليات من تلوث ودمار.
٢- جوليا لم تتعد الخامسة والعشرين. جميلة، مرحة، تمارس رياضة الرقص واليوغا. قررت منذ فترة الإقلال من تناول اللحوم وقد أصبحت اليوم نباتية تماماً. بالإضافة إلى عملها في مجال المعالجة الفيزيائية، انتسبت إلى إحدى جمعيات مناهضة العنف ضد المرأة، وهي تقوم بمساعدة عدة نساء تعرضن للعنف على أيدي أحد أقاربهم أو أزواجهن. موقفها من حقوق المرأة دفعها إلى نصرة المرأة الفلسطينية وتقول أن ذلك بدأ مع قضية حي الجراح في مدينة القدس، فهي لم تفهم كيف يمكن طرد امرأة من بيتها دون مسوغات قانونية. اطلعت بعدها شيئا فشيئاً على بعض التفاصيل التاريخية وهي اليوم من المدافعات عن الحق الفلسطيني في أحاديثها الخاصة والعامة ويحصل لها المشاركة في مظاهرات وندوات من أجل غزة.
منير شاب فرنسي من أصول عربية. ولد وتعلم في فرنسا حيث يقطن في إحدى ضواحي العاصمة باريس. لا يتقن العربية حتى الشفهي منها. عانى منير من بعض العنصرية وتفاوت الفرص في مجالات العمل والسكن. يعرف القليل عن تاريخ بلد والديه، وعن فلسطين التي يدعمها على غرار محيطه وأهله لكنها لم تكن يوماً في محور أولوياته، وكان يتجنب الخوض في نقاش حولها عندما يُثار الموضوع في دائرة عمله في هندسة المعلوماتية.
الجديد، منذ أحداث غزة، هو أن منير أصبح يجاهر بآراءه أكثر ولم يعد يخاف من ردود فعل قد تسيء إليه في مجال عمله. يشعر أن فلسطين قضية تخصه وأن مايحصل “هناك” يملي عليه “هنا” طريقة حياة ومبادئ بات يحب المجاهرة بها أمام الجميع.
هذه نماذج من مجتمع فرنسي وهي لا تدَّعي تلخيصه. الأمور تتغير وما كان صالحاً الأمس لم يعد صالحاً اليوم… التغيير الذي سيلقي بآثاره على المستقبل، هو أن قضية فلسطين التي كان الولوج إليها يتم عبر باب السياسة حصراً، آخذة بالتحول: اليوم، الدفاع عن البيئة هو دفاع عن فلسطين. كما الدفاع عن حقوق المرأة والطفل. هذا التعدد في المقاربة هو ما يجعل من فلسطين أكثر فأكثر مصفاةً وطريق مرور إلى الكثير من قضايا البشر: العدالة والظلم، الحرية والاستبداد، الانسان، الأشجار والحيوان والنبات.
جل جلالك فلسطين