فلنحلم قليلاً. أو، فلنحلم أقل. يصعب ذلك كثيراً. حتى الحلم يبدو مستحيلاً. من أين يبدأ الحلم؟ من أي رصيف؟ من أي موقع؟ من أي واقع؟ من أي تفاؤل؟ من أي أفق؟
أعترف بصدق، بأن حلمي ولد ميتاً. لم أوفّق بموطئ قدم، ولا بموطئ فكرة، ولا بنقطة إنطلاق. كل الطرقات مقطوعة إلى الأمام. لا أفق قريباً أو بعيداً. أنني أعلن فشلي في “تأليف” حلم صغير، لشعب كان ماهراً جداً في تحطيم المراكب وإقفال الطرق وتلغيم المحاولات وإفشال التجارب وتبخيس النوايا وتلوين الأفق بالأسود الدامي… أعترف بأني فشلت، برغم إقناع نفسي بأن اكذب على نفسي قليلاً، و”أمشي” الحال، لعل إبتسامة ضئيلة ترتسم لي في البداية، كي أجازف بالإقلاع من ساحات اليأس والمآسي إلى بصيص صغير من الأمل.
لم أفلح… اقترحت على نفسي أن أكذب قليلاً. أن أبدأ من مكان ما، من حالة ما، من واقع ما، من كذبة ما.. حاولت وبليت بالعجز. حتى مخيلتي التي ألجأ إليها أحياناً، كانت مصابة بصدأ مزمن. إنها مخيلة معبأة بالمآسي والأفشال والأحزان.
قلت: فلأختر بلداً غير لبنان. لبنان هذا بلغ خاتمته ونهايته. فلماذا لا نبدأ من فلسطين: الجواب الفوري كان بائساً. يائساً جداً. “الوطن الفلسطيني الصغير جداً”، لم يعد وارداً. فلسطين العاصية جداً، تعبت من خيانات أشقائها، ويئست من مفاوضة أعدائها. ليس هناك إلا خريطة التراجع. والصمود الذي يبديه شعبها لا يترجم ميدانياً. ترجمته الوحيدة: أننا ما زلنا أحياء في هذا الجحيم، ولا نوقع على استسلام تام. “إسرائيل”، ومن معها من “الأشقياء العرب” يتقدمون إلى مواقع، لم يكن أحد يرضى بها. ستصير “إسرائيل” عاصمة العرب السياسية. فمن أين يبدأ الحلم الفلسطيني. شعب شاهق الظلم. عمره قرن. وعرب أشقاء في كل واد يهيمون.
دول ودويلات وإمارات الخليج تحتفل بخروجها من تاريخها إلى تاريخ لم يكن أحد يتصور حدوثه، إلا “إسرائيل” ربما. التطبيع، كما يبدو، لم يكن مفاجئاً لأصحابه، بل كان كامناً ومؤجلاً. مصر دشنته. الأردن قلدها. بات الطريق إلى تل أبيب ممراً إلزامياً لبلوغ واشنطن. ومن بلغ واشنطن، وقَّع على التنازل برحابة صدر، وبشجاعة التحدي للمصابين بعشق الوطن الفلسطيني المأمول، ولو بعد فائض الأحزان والتراجعات.
عن ماذا نتكلم؟ لا ضرورة لزيارة العواصم العربية وسؤالها إلى أين؟ العنوان يقرأ من المشهد السوري. أين سوريا اليوم؟ ماذا تستطيع؟ كيف تعود؟ كم سنة بعد من الحرب والإحتلال والتقسيم والندرة والحصار والعقاب؟ كم سنة بعد من إستعادة ألفبائها. لقد محت الحرب المستقبل وأقعدتها في الحاضر والآني. والخروج من ذلك الجحيم ثمنه “التطبيع”… فكيف نحلم بعد؟
هل العراق ملائم للأحلام المتواضعة؟ عراق ممزق من جميع أطرافه ومتصارع حتى في قلبه. العراق شتات من الناس والطوائف والأعراق، ومسرح صراع بين محاور، يدفع ثمنها الشعب العراقي. كم عراقاً في العراق؟ أين نفط العراق؟ كم يشبه لبنان في طوائفه ونزاعاته ونهب خزائنه ونفطه.
أمِنَ الخليج نبدأ؟ ضع صفراً وأمضي. لا يُعَوَّل على من يقوده أو من ينقاد منه. إلى آخر المنظومة، وتحديداً مصر والسودان وليبيا. كيف أحوال تونس الواعدة؟ ماذا عن الجزائر؟ ماذا عمن تبقى؟ لا شيء يدل على أفق. كل المؤشرات تدل على فقدان الحرية والديموقراطية والعدالة والمساءلة والمحاسبة.. قمع شرير، بأساليب خرافية، لإفراغ القارة العربية من شعوبها، عن تحويل الشعوب إلى قطعان من الناس تساق بعصا الشرطة.
مئة عام من عمر هذه القارة العربية، تدعوك إلى اليأس. فمن أين نبدأ أحلامنا الصغيرة. الصغيرة، الصغيرة جداً. ثبت بالوجه الواقعي الشرعي، أن هذه المنطقة، هي الإستثناء الساقط، في العالم. أوروبا الشرقية تغيرت بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. صارت دولاً طبيعية وشعوباً على سوية الوطن والمواطن والحرية. أميركا اللاتينية تحررت كثيراً. لم تعد ملعباً سهلاً للإمبريالية الأميركية، دول آسيا تغيرت وصارت نموراً… إلا نحن. هذه المنطقة المنكوبة بفكرها وثقافتها وسياساتها وأديانها ونهبها وهلم جراً.
ها أنذا أعلن أنني فاشل في وضع جملة مفيدة لحلم صغير.
عذراً: أنا كائن لا أحلم. ولا طاقة لي على الأحلام، إلا إذا خرجت من وعلى هذه المنطقة برمتها. والذاهبة بسرعة إلى ممارسة العنف الأعمى.
من لديه ذرة تفاؤل، فليقلها. سأكون صادقاً في تبنيها، وأبني علها حلماً لأحفادنا.
لست من هواة اليأس، بل أنا واحد من ضحاياه، ولست الوحيد. فاليائسون أكثرية كبيرة من المحيط إلى الخليج.
اللعنة إذاً. هي الجائزة المناسبة.
وليد عالية
أكتوبر 7, 2020للأسف الشديد، بعد ان شكل هذا العهد في بدايته، اقوى عهد شاهده لبنان، ولم يأتِ عهد بشعبيته، لكن للأسف مرة اخرى، لقد أضاع التيار الوطني الحر، تيار العهد: “يا شعب لبنان العظيم”، اضاع “الإبراء المستحيل”، اضاع الوطنية واضاع الحرية (وخنقهما في التيار) ، اضاع “لبنان الاصلاح والتغيير”. كل هذا أُضيعَ بإختيار جبران باسيل رئيسا للتيار الوطنيالحر حتى دون الحد الادنى من الوطنية والحرية. الخطيئة التي قصمت ظهر العهد على كافة المستويات، المحلية وفي بلاد الإغتراب، طبعا لن نعود لاصول الصهر الايديولجية والفكرية التي عبّر عنها بمجموعة من المواقف واشهرها “حقوق المسيحيين”، حيث كان يجب ان تكون حقوق اللبنانيين، حقوق الوطنيين “الحريين” (نسبة للاعضاء التيار وأنصاره- لغويا الاحرار)بكل طوائفهم. حيث لو رُفع مثل هذا الشعار لكان لبنان قد اجتاز كل ما وقع به. لو حراك يوم 17 اكتوبر كان بزعامة وقيادة التيار الوطني الحر لكان استطاع فعلا تجسيد كل شعارات التيار،ولدمر كل بؤر الفساد، السرقة،النهب والعمالة وفضح كل بؤر الفساد والفاسدين. الا ان سوسة الكرسي اصابت الصهر في الصميم ولم يعد يرى الا مصلحته، فبدأ بتكتيكات سياسية وطائفية وانتهازية ووصولية من اجل مصلحته ونسي كل ما يرمز لشعارات التيار الوطني الحر الذي جمعت المسلم والمسيحي والدرزي والشيعي وغيرهم ممن التقوا في بعبدا تأييدا للتسونامي العوني الذي تحول لتسونامي ضد العهد. يمكن لنا ان نتوسع بالمآسي التي اقترفها رئيس التيار بحق التيار (على المستوى الداخلي بتصفية كل منافس له، أو بتصفية العملية الديمقراطية ان في داخل لبنان أو خارجه بلاد الإإغتراب – والخارج المجهول بتاريخه ومآسيه من قبل الداخل لو عرف به الاخير لعرف مدى الانحدار الذي وصل اليه التيار – اتمنى ان يتصدى احدا لما اذكره لعل ذلك يدفعني لان اذكر ما اتحاشى ذكره-. طبعا لن اظلم رئيس التيار بما قبل عهد الرئيس فلا ذنب له ولا للعهد ولا للتيار، وقد اصبح معروفا ومسنودا التاريخ الاسود لمجموعة الاربعة وتاريخ الحريرية السياسية لكل مواطن لبناني. وما اذكره عن رئيس التيار فقط لان الامل الذي كان حلما لكل لبناني بمجيئ الوطنية والحرية والابراء المستحيل والاصلاح والتغيير والشعب العظيم تبخر وانجب ما انجب من المآسي، وطبعا لا اعفي المتقدمين والمخلصين من اعضاء التيار من المسؤولية لفقدانهم حس النقد ولعب دورهم في الحد من التدهور بخط التيار السياسي ومحاسبة المسؤولين عما وصل اليه من درك، وللموضوع صلة
ايمان وهبي
أكتوبر 6, 2020اكثر من حقيقي