تحاول ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب افهام العرب، حكاماً بالأساس ومن ثم شعوباً، أن “عصر اوباما” قد انتهى، وان عليهم التعامل مع “الأمر الواقع” الجديد: لا حوار، ولا تفاوض، بل اوامر للتنفيذ بلا اعتراض.
يقرر الرئيس الاميركي أن المملكة العربية السعودية غنية اكثر مما يجب، وانها لا تدفع ما يتناسب مع عبء حمايتها الذي تتولاه الادارة الاميركية، ويطالبها بالفرق.. فان ترددت عمد إلى زيادة انتاج النفط الاميركي لتعويم السوق وخفض السعر..
ثم يقرر ترامب أن الحكم في السعودية غير ديمقراطي، ويجبر الاسرة الحاكمة على تعديلات في الواقع السياسي والاجتماعي المهين، بذريعة حماية النظام، ولا ترضيه التعديلات فيطلب أكثر..
ومع ارتكاب النظام السعودي جريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، شاركت واشنطن الرئيس التركي اردوغان في ابتزاز الرياض، بعد حملة تشهير غير مسبوقة تولى رعايتها البيت الابيض، قبل أن يحصل ترامب ـ كما يبدو ـ على ما يطلب، تاركاً اردوغان “يناضل” ليحصل على نصيبه!
وقبل اسابيع قليلة قرر ترامب أن يزور ـ سراً ـ بعض القواعد العسكرية الاميركية في العراق، فتسلل إلى احداها، رافضاً أن تهبط طائرته الحربية في بغداد.. وكان طبيعياً أن يرفض الرئيس العراقي أن يحادث على الهاتف رئيس دولة كبرى يتصرف على انه محتل بلاده وقاهر ارادتها.
في الوقت نفسه تقريبا باغت ترامب العالم بقراره سحب قواته “الرمزية” من شرقي سوريا، من دون ابلاغ الحلفاء والخصوم، وبداية: الدولة المعنية.. فلما ووجه بسيل من الاعتراضات والاحتجاجات عدل موعد الانسحاب وقرر أن يكون على دفعات، وخلال فترة زمنية طويلة نسبياً.
وفي محاولة لاسترضاء العاتبين من المسؤولين العرب بسبب تجاهل ترامب لهم، قرر ايفاد وزير خارجيته، فزار بغداد، والقاهرة حيث وقف على المنبر ذاته الذي وقف عليه الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما قبل اربع سنوات، ليمسح كل ما قاله ذلك الرئيس المتحدر من اصول افريقية، فيشرح خرائط الهيمنة الاميركية المجددة، موجهاً التهديد إلى من يعتبرها قوى معارضة، وفي الطليعة منها “حزب الله”.. ولذلك فهو لم يزر لبنان، وكلف سفيرته في بيروت بإبلاغ المعنيين الانذار الاميركي الجديد: ممنوع المس بموجبات الامن الاسرائيلي!
.. أما لبنان فيكفي أن تتولى السفيرة فيه ابلاغ المسؤولين بمضمون الرسالة، خصوصاً وان “جيش الدفاع الاسرائيلي” يتقن الترجمة الفورية، بشهادة التحرش المفتوح الذي يمارسه في الجنوب ضد الدولة والشعب بعنوان “حزب الله”.
والتغطية الاميركية للعدوان الاسرائيلي جاهزة، اينما وقع، وبغض النظر عن مبرراته.. فإسرائيل هي الحارس الاميركي “للأمن القومي الاميركي” في الارض العربية، أي مستعمرات ما خلف البحار.
صحيح أن معظم الدول العربية خاضعة ومطيعة، تتسول المساعدات مقابل القواعد، ولا يجرؤ أي مسؤول عربي على مناقشة القرارات الاميركية.. اما التشكي من الاجتياحات او الغارات الاسرائيلية، فهو من الماضي، اما في الوقت الحاضر فالدول العربية، او بعضها على الاقل، تطلب من اسرائيل مساعدتها على ضرب من تعتبرها “عناصر مشبوهة” تابعة لـ”القاعدة”، ولا يتردد مسؤول مصري كبير في تبرير هذا “التحالف ضد الارهاب”.
هل انتهى عصر وحدة المصير ووحدة المصالح نتيجة وحدة الارض ووحدة امتها العربية؟
هل عاد العرب قبائل متنازعة، وعشائر مقتتلة على مدى القرب او البعد عن اميركا، وبالتالي اسرائيل، حتى لو أدى الامر إلى سقوط دورهم وقيمتهم، بغض النظر عن الثروات الاسطورية لبعضهم؟
كيف، والحالة هذه، لا تصير اسرائيل “إمبراطورية” بشعوب عربية متكارهة، متصارعة حتى النفس الأخير، طلباً للاستسلام وحذف التاريخ ومعه الجغرافيا من اجل الدخول في العصر الاميركي الجديد!