يمكن اعتبار “الكرنفال الدولي” الذي شهدته الامم المتحدة هذا العام الوجه الكوميدي الاسود للقاءات السنوية التي يشهدها مقر هذه المنظمة الدولية في نيويورك.. والتي يفترض أن تكون فرصة للتفاهم بين المسؤولين، ونزع الالغام من طريق التسويات والتقدم لحل العارض من المشكلات بين الدول، بقصد احلال السلام في العالم.
أن الكرنفال الدولي في الامم المتحدة، هذه السنة، يكشف مدى التردي والانحطاط الذي يعيشه العالم: يكفي أن دونالد ترامب هو رئيس الولايات المتحدة الاميركية.. واية كارثة أن يحكم معتوه أغنى وأقوى دولة في العالم؟..
.. ويكفي أنك لا تستطيع استذكار أسماء الرؤساء العرب، الحاضرين منهم والغائبين الا في مجال التندر،
.. وان بريطانيا تكاد تكون بلا حكومة،
.. وان رئيس فرنسا الذي فاجأ العالم بفوزه الصاروخي غير المتوقع قد فقد شعبيته “المصنعة” خلال بضعة شهور..
أما الرؤساء والملوك والامراء العرب فاشهرهم امير الامارة من غاز، قطر، الذي غطى بوهجه على حضور “خصمه” الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. في حين توزع أهل النفط من امراء العرب وشيوخهم يحاولون الظهور “في الصورة” مع اسياد الكون..
ولقد فرضت المقارنة نفسها بين هذا اللقاء الاممي على مستوى القمة وبين ذلك اللقاء التاريخي والاستثنائي الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر كانون الاول من العام 1960 والتي احتشد فيه كبار القادة في العالم اضافة إلى الرئيس الاميركي كينيدي: نيكتيا خروشوف، عن الاتحاد السوفياتي، تشو ان لاي عن الصين، جواهر لال نهرو ـ الهند، جمال عبد الناصر ـ الجمهورية العربية المتحدة، احمد سوكارنو ـ اندونسيا، جوزيب بروز تيتو ـ يوغوسلافيا، كوامي نكروما من غانا، اما النجم اللامع فكان فيديل كاسترو ـ كوبا الذي فعل ما لا يجرؤ غيره على فعله: قرر أن يجول في احياء السود في نيويورك (هارلم) حيث لقي استقبالاً تاريخياً.
كان النجوم كثيرين لكن خروشوف بعفويته وطرافته كان النجم الاعظم.. وفي لحظة من اللحظات فاجأ حشد الرؤساء والملوك بان خلع حذاءه وأخذ يضرب به الطاولة امامه، احتجاجاً على وجود ممثل الصين شيانج كاي شيك.
كان خروشوف يتصرف مثل قيصر العالم، وان كان الاظرف، حاضر النكتة من خارج النص، خصوصا وان الاتحاد السوفياتي كان قد سبق الاميركان إلى الفضاء بصواريخه عابرة القارات.
في تلك اللحظة، ونتيجة التوازن في العالم، مع ارجحية لمعسكر عدم الانحياز بنجومه المميزين: نهرو وتيتو وجمال عبد الناصر وابطال التحرير الوافد من افريقيا، كانت الدنيا غير دنيا البؤس التي نعيش فيها الآن، كعرب وشعوب العالم الثالث عموما.
لكن ذلك كان زمنا آخر، وهو قد مضى وانقضى، وجاء زمن البؤس والخسارة وافتقاد القيادة المؤهلة والموقف الشجاع الذي يحفظ كرامة الامة.
سقى الله ذلك الزمن الجميل، ورحم الله ابطاله.