للمرة الثانية خلال ستة أشهر من عمر حكومة العهد الأولى يجد الرئيس سليم الحص نفسه مجبراً على القيام بثورة من الداخل وفي الداخل، رداً على اعتراضات وانتقادات حادة من الخارج سببها تصرفات تتخذها أطراف في الحكم من دون علمه ومن خلف ظهره.
هذه المرة جاءت الثورة أعنف من الأولى، وإن كانت قد وضعت على لسان »ندوة العمل الوطني« التي يرئسها الدكتور سليم الحص، والتي تمثل تياره السياسي، إن لم نقل »حزبه«، وتعكس توجهاته وآراءه في الشأن العام.
في المرتين كان السبب المعلن أو المضمر أو المومأ إليه: تجاوز صلاحيات موقعه كرئيس للحكومة، بما يسيء إلى دوره كقيادة سياسية وإلى صورته كمرجعية سياسية تتحمّل المسؤولية المباشرة أمام الناس، كما أمام المجلس النيابي عن الأوضاع عامة، وعن ممارسة السلطة بمختلف جوانبها وعلى مختلف الأصعدة.
على أن البيان الصادر عن »ندوة العمل الوطني«، أمس، يكاد يصلح بمضمونه كما بنصه لأن يكون »مانيفيستو« للمعارضة السياسية، انطلاقاً من الموقف من »بيان المصادر الوزارية« الذي تسبّب بالآتي:
1 عكّر الوضع السياسي في البلاد وأنتج التباسات..
2 هدّد موقع الحكومة ورئاستها بالانزلاق نحو متاهة،
3 كاد يضيِّع تصويب المسار الوطني والسياسي.
4 بيَّن بأن ثمة من يعتبر نفسه فوق القانون، وثمة من يضرب الشفافية المتوخاة لإرساء أسس سليمة لآليات الحكم الديموقراطي،
5 كشف اختراقات إدارية حساسة ودقيقة سياسياً.
6 كشف استهانة واضعي ذلك البيان ومصدريه بدقة الموقف الوطني والقومي.
لهذه الأسباب مجتمعة، تنتهي »ندوة العمل الوطني«، التي مرة أخرى تشكل المظلة السياسية الشعبية للرئيس سليم الحص وطليعة التيار السياسي الذي يمثله، إلى المطالبة ب:
»وقف أعمال الفاكس والدكتيلو التي تثير الشبهات السياسية بمقاصدها ونتائجها،
».. والتي من شأنها إذا ما تُركت من دون محاسبة أن تربك الوضع الوطني العام«.
صحيح أن »ندوة العمل الوطني« ليست رئاسة الحكومة وليست هيئة أو إدارة رسمية، لكن الدكتور سليم الحص فيها هو الدكتور سليم الحص رئيس الحكومة.
وإذا كانت هذه الهيئة التي تستظل باسم الرئيس الحص ترفع صوتها بالاعتراض، وتطالب »بوقف أعمال الفاكس والدكتيلو«، موجهة أخطر الاتهامات إلى مصدري »بيان المصادر الوزارية«، فلماذا لا يقبل اعتراض من هم خارج هذه الدائرة، ممن لا يقلون حرصا على الموقف الوطني والقومي، وعلى موقع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، عن إخواننا أهل »ندوة العمل الوطني«؟!
إذا كانت الحكومة هي الشاكية.. فلمن يشكو المواطن؟!
وإذا كانت الحكومة هي المتضررة، فكيف حال المواطن؟!
وإذا كانت أعمال الفاكس والدكتيلو تثير الشبهات السياسية، فلماذا يرفض مثل هذا الاتهام إذا صدر من خارج »ندوة العمل الوطني«؟!
وإذا وصل الأمر »بندوة العمل الوطني« إلى إطلاق كل هذه الاتهامات، دفعة واحدة، ضد من يقبع خلف أعمال الفاكس والدكتيلو، فكيف حال الآخرين، سواء من لا حياة له إذا ما ضربت الديموقراطية كمؤسسات وكمنهج عمل في البلاد، ناهيك بأشتات المعارضين والمتضررين والمعترضين على بعض ممارسات السلطة، هذه السلطة وكل سلطة؟!
نتمنى أن يكون ما استنتجته »ندوة العمل الوطني« في بيانها صحيحا، من أن »سرعة تحرك رئيس الحكومة ووقفته كرجل دولة وإقدامه على تحصين موقع الحكومة ورئاستها«، قد تمّ فعلاً، وأن الخطأ الفادح قد أدى إلى إصلاح جذري، في مجال تعزير الحكومة ورئاستها كقيادة سياسية للبلاد، مما سيؤدي إلى تمكينها من ممارسة هذا الدور،
على أنه يظل مشروعا السؤال عن هوية القادر على ارتكاب كل تلك الموبقات، متخطيا المواقع وصلاحياتها، ثم عن العقوبة التي نالها (خصوصاً وان أحدا لم يعرفها كما لم يعرفه)، بما يكفل عمليا وحقيقة »وقف أعمال الفاكس والدكتيلو التي تثير الشبهات السياسية بمقاصدها ونتائجها«!
وقديماً قيل: رب ضارة نافعة،
على أن من حقنا التمني أن يكون النفع شاملاً وأن يمتد الى الحياة السياسية والصحافة وأهل الإعلام عموما ولا يقتصر على رئاسة الحكومة، مع التقدير لموقعها ولخطورة دورها ومرة أخرى كقيادة سياسية للبلاد.