تمدد خط النار الإسرائيلي حتى لامس، كرة أخرى، أبعد نقطة عن حدود فلسطين، وأقرب نقطة إلى وسط سوريا، ربما ليعطي أقوى صدى ممكن في واشنطن التي يهمها – أولاً وأخيراً – ألا تكون المفاوضات فيها بين ضحايا القصف والقصف المضاد.
وواضح إن إسرائيل تحاول أن توحي لمتبني المقاومة المسلحة ودعاتها ورعاتها أن الضغط عليها بالوسائل العسكرية لن يجبرها على تقديم تنازلات سياسية ، سيما وإن يدها طليقة بينما أيدي الآخرين مغلولة… أقله بالمفاوضات.
أما واشنطن المشلولة بانتخاباتها فلا تملك غير الأسف على الضحايا من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكأنها اغتيلوا غدراً وفي غرف نومهم، وغير التأكيد على أن “دورة العنف” الجديدة لن تؤثر على المفاوضات.
أما الضحايا في لبنان، جنوبه وبقاعه وشماله، وأبرزهم مشروع حكومته الجديدة، فلا عزاء بهم، بل أغلب الظن أن الوفد المفاوض في واشنطن قد بات على القائمة لأنه “سيحاسب” على النتائج العسكرية للمقاومة من دون الأخذ بالاعتبار مبرراتها الصالحة للتثمير السياسي.
وواضح إن إسرائيل تستهدف بقصفها المعنويات السورية في لبنان التي ارتفعت بشكل ملحوظ، بعد النجاحات السياسية الأخيرة متمثلة، في الانتخابات النيابية ونتائجها، ثم في وصول الرئيسين الجديدين لمجلس النواب وللحكومة،
ولست مطاردة فقط لمقاتلي “حزب الله” أن تتوغل الطائرات الحربية الإسرائيلية في السماء اللبنانية وصولاً إلى تخمي الحدود مع سوريا شرقاً وشمالاً، ولكنه تحرش واضح بالسوري لإضعافه لبنانياً، وللتشويش بالتالي على موقفه القوي – بعد – في مفاوضات واشنطن.
إنه قصف سياسي عنيف على كل الجبهات،
والمدفعية “الإيرانية” تحاول بدورها أن تطال واشنطن ليكون لطهران هي الأخرى “صوت” في الانتخابات الأميركية، في محاولة لربط النزاع مع الرئيس الأميركي المقبل.
وفي هذا السياق يمكن إدراج الموقف المتصلب الذي أعاد “حزب الله” بلورته وأطلقه في وجه الرئيس المكلف، أمس، منطلقاً من إعلان عدم المشاركة في الحكومة العتيدة، منتهياً إلى المطالبة بالانسحاب من مفاوضات واشنطن.
المدافع جميعاً تقذف حممها على المفاوضات في واشنطن،
بعض المدافع يقصف لصالح كلينتون واحتمالات تعطيل “المسار” الحالي،
وبعضها الآخر يقصف لصالح جورج بوش و”مفاوضاته”، وهي بين أوراقه الرابحة في معركته الصعبة لنيل ولاية ثانية،
وبعض ثالث يقصف على دمشق مستهدفاً عبرها ما تبقى من التماسك العربي في الحرب القاسية التي تدور رحاها في واشنطن والتي تستنزف من الأعصاب والجهد والحقوق بقدر الحرب العسكرية وربما أكثر.
إن كل طرف يخوض معركته… وفترة الغيبوبة الأميركية المؤقتة تسمح بتجاوز الضوابط، ولو إلى حين، في انتظار إعلان النتائج وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود: هل هو استمرار لما كان، أم عهد جديد بسياسة جديدة تفرض إعادة نظر وإعادة صياغة في ما كان اعتمد من قواعد للعلاقات بالقوى المؤثرة في المنطقة؟!
إن رابين يخوض معركته في الداخل بالدماء اللبنانية، وهو يحاول أن يثبت إنه أشرس وأعنف من شامير وشارون وسائر “الصقور” في الكيان الصهيوني،
وهو أيضاً يخوض معركته كرجل أميركا الإسرائيلي مؤكداً للعرب – وعبر النار – إنه يعتمد هذه السياسة لأنه يرى فيها مزيداً من الخير (والقوة) لإسرائيل، وبالطبع على حساب العرب الذين افترض بعض حكامهم أنهم قد نالوا أخيراً مرتبة الصديق في العين الأميركية… خصوصاً وقد دفعوا ثمنها مليارات لأسلحة لن يحتاجوها.
وفي انتظار أن تعلن النتائج الرسمية للانتخابات، ستظل القذائف الإسرائيلي تنهش في لحم لبنان فتحرق قراه وتدمر البيوت والأحلام والآمال بوقف الانهيار وقد أطل أخيراً ما يبرر التفاؤل به.
… وهي ضريبة طبيعية في معركة التحرير، ولو عبر المفاوضات، بشرط أن يمكن الضحايا من الحصول على تعويض مناسب إن لم يكن في حاضرهم القريب ففي مستقبلهم الآتي.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان