لما يتبق إلا التمني والدعوات الصالحات: فكل عام وأنت بخير!
لقد سقط أو أسقط ما عداك مما كنت ترجع في أمورك إليه، أو تعتمد في توفير الحل أو المخرج عليه، وفرض عليك أن تكون “دولة بذاتك”، وحكومة تتوزع فيها الحقائب على طريقة الجنرال عون، فتكون يمناك الخارجية والدفاع والاقتصاد ، وتكون يسراك الصحة والزراعة والتربية والسياحة،
كذلك اهتز فتصدع ما كنت تعقد عليه الرجاء من المؤسسات والهيئات والتنظيمات ذات الطابع الشعبي، وفرض عليك أن تكون بذاتك “جبهة وطنية عريضة” تمتد من أقصى اليسار الهائم في سماء المثل والقيم والمبادئ المطلقة، إلى أقصى يمين المبادرة الفردية وفوضى العبثية… المنظمة!
وبدلت السياسة بوقائعها المتلاحقة الكثير من حقائق الحياة والثوابت التي تربيت عليها فآمنت بها واعتنقتها عقيدة فصار لبنان (مثلاً) جماهير متنازعة ولا جمهورية، ولم تعد فلسطين تلك الخريطة التي اكتسبت قداسة الرمز والتعويذة والأيقونة وصار عليك أن تختار “شقفة” منها لتحط عليها الدولة الطائرة في هواء الاعتراف بإعلانها المدعم بهواء الحوار مع السفير الأميركي في تونس،
… وصارت الجامعة العربية مطمحاً ومكسباً قومياً يستحق النضال لحمايته من الاندثارن وصار بين شروط استمرارها أن تتغاضى عن “كمب ديفيد” المكبل مصر، وعن المشاريع التقسيمية التي مزقت اللبنانيين، وعن فك الارتباط المتبادل الذي تم بين الفلسطينيين وبين سائر العرب، وعن تناثر العرب بين “المغاربية” و”الخليجية” والبين بين الخ.
لم يعد أحد كما كان وحيث كان، ولم يعد شيء كما عهدته قبل بداية عصر التحولات الذي يفترض أن يكتسب ملامحه المميزة خلال العام المطل علينا، مع فجر الغد،
وهكذا فانت تستقبل 1989 وحيداً، لا مجير لك ولا معين، بل إنك تفتقد المتعاطف وحتى المشفق، كلهم يريدك أن تكتم صرختك وأن تعتذر عن وجعك وأن تنتظم في قافلة المنتظرين، فأنت – بأرضك ودولتك وأحلامك – مدخر للحظة التسوية يستخدم منك ومنها ما يلزم ثم تعد الصيغة المناسبة لما تبقى منك ومنها،
وفي النهاية فكونفدرالية الطوائف هي قدرك الأول وهي قدرك الأخير، بغض النظر عن التسميات والأرقام التي تحملها الجمهوريات البرلمانية الديموقراطية ذات السيادة والاستقلال الناجز!
كل عام وأنت بخير،… لكنك برغم كل ذلك الأقوى،
لقد تدبرت أمورك برغم كل ما دبر لك وكل ما وقع لك كنتائج للتقاعس أو للعجز أو للتواطؤ ضدك وعلى حسابك،
قدرت أن تستمر بدولة من دون مؤسسات ولا رئاسات، بإدارات يتراكم فوقها الوزراء ولا وزير، بكهرباء لا تنير، بطرقات بلا اسفلت، بشوارع تتكدس فيها النفايات ولا من يرفعها برغم ارتفاع قدر عمال البلدية الذين اكتشفوا جنة الميليشيات أو اكتشفت جنتهم الميليشيات فصادرتها وصادرتهم.
قدرت أن تصمد للتعديات والانتهاكات الصارخة، للمعابر والتقسيميين، للضغوط الاقتصادية الثقيلة الوطأة وللمضاربين برغيف خبزك و”بثمن” تعليم أطفالك.
قدرت على مواجهة الخطأ والغلط والانحراف، ولو بالصمت، فلم ترفع يدك بالموافقة ولم تبصم مسلماً أمرك للذين نصبوا أنفسهم أولياء الأمر بقوة السلاح أو بقوة الأحقاد أو بقوة الغرائز الطائفية – المذهبية المستثارة!
كل عام وأنتم بخير والخير كل الخير بمزيد من الصمود، وإلى حين،
فكل ما تراه مما يزعج ويغيظ ويستفز العقل والوجدان إلى زوال،
والتحولات ستلتهم، في مسيرتها، أبطال الحرب والمنتفعين بها،
وبعد ذلك يكون الحساب، وفي ضوء الحساب ترسم صورة الغد،
الليل إلى انتهاء، فاحفظ شمعة حتى يهل عليك الفجر الجديد، فجر ما بعد الحرب، وعندها يأتي دورك في صنع السلام للبنان الوطن، السيد، العربي، الديموقراطي الحر، الواحد الموحد الخ…
فادخر نفسك، وادخر أحلامك لكي تمنحك القدرة على الصمود،
ومرة أخرى: كل عام وأنت وأحلامك بخير.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان