هل من جديد؟
*أبداً، جفاف مطلق كأنك في صحراء لا شيء يتحرك فيها إلا جراد “الدولار”…
-وماذا تقول الأخبار؟!
*لا أخبار، فالزعماء جميعاً والأمراء كافة، في المشرق والمغرب، وفي العالم من حولنا، بألف خير، وطالما لم يمت أحد منهم، ولم يقتل واحد منهم الآخر أو الآخرين فلا أخبار…
-ويحك!! إنهم يصنعون الأخبار؟! ألا تسمع كيف تتهدج أصوات المذيعين وهم ينطقون أسماءهم مسبوقة بالألقاب المفخمة ومتبوعة بالدعوات الصالحات من نوع “حفظه الله” أو “يرعاه الله” الخ…
*صحيح، إننا نسمع يومياً، وفي كل ساعة، أخبارهم هم فنطمئن إلى صحتهم وإلى استمرار سهرهم على راحتنا فندرك إننا سنبقى رهائنهم فترة أخرى وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
-أوليست أخبارهم هي أخبارنا؟!
*إذا شئت، لكن من موقع التناقض فطالما إنهم بخير فهذا معناه إن الخير بعيد عنا بعيد،
-كأنك تريد مزيداً من الموت لتعترف بوجود أخبار؟
*بالعكس، لقد أهلكتنا أخبار الموت، فمنذ زمن بعيد نعيش على أخبار الموت وحدها، ولا يسمح لنا بأن توقع إلا المزيد من أخبار الموت.
هل تريد أمثلة؟!
لنبدأ بالسادة الملوك والسلاطين والشيوخ، بالقادة من أمراء الطوائف والمذاهب وزعماء الميليشيات والزواريب والأحياء…
لقد صغروا الأمة، قزموها، وتولى كل منهم تصغير وتقزيم ما بين يديه حتى يظل هو كبيراً.
لا أخبار إلا إذا جرت محاولة لاغتيال بعضهم أو تفقد الله برحمته بعضهم الآخر.
لقد رحل “الكبار” إن على مستوى الأمة أو على مستوى “الدول” القائمة أو حتى على مستوى العواصم والمدن والأرياف..
ربما لهذا لم يعد من مجال لذكر هؤلاء السادة إلا متى ارتبط ذكرهم بالموت… إن موت أي منهم، أو احتمال موته، هو الخبرز وإجمالاً فلا شيء غير الموت يعطينا الأخبار!! تسقط قطعة من أرض الوطن تحت الاحتلال، أو تقتطع منه لتصير “شريطاً حدودياً” أو “حزاماً أمنياً” أو “أرضاً محتلة” فتصير خبراً، ولأيام معدودات، وبعدها يصير الخبر في خبر كان، بينما تغرق باقي أجزاء الوطن، والأمة، في صمت العجز والنسيان القاتل.
تقتل قذيفة بعض المواطنين فتنشر الصحف والاذاعات أسماءهم فيصيرون في الأخبار.
تنفجر سيارة مفخخة في قلب حي سكني فيدخل اسم الحي وسكانه، من مات منهم ومن ينتظر، في الأخبار…
تموت الليرة موتاً بطيئاً فتصير خبراً في الأيام الأولى، ثم لا يعود في موتها ما يستحق الذكر.
-ولو!! تشكون من قلة الأخبار ومنطقتنا هي مصدر أخبار العالم كله ومصدر قلقه أيضاً!! خذ مثلاً الحرب العراقية – الإيرانية؟!
-إنها أخبار موت جماعي، كل يوم تتنافس إذاعات بغداد وطهران في تضخيم عدد القتلى والجرحى والمفقودين (في جهة العدو) حتى يزيد عدد هؤلاء عن مجموع سكان البلدين مضروبين بعشرة…
-وما جرى في مكة؟!
*أخبار موت تبشر بمزيد من الضحايا في أنحاء الخليج والجزيرة والهضبة الآسيوية…
-لنعد إلى لبنان، ما آخر الأخبار؟!
*لا أخبار، فمن أين يجيء الخبر في بلاد لا دولة فيها ولا حكم ولا حكومة ولا قوى سياسية مؤثرة على القرار، ولا رأي عاماً يضغط فيفعل ويفرض التغيير…
-ولو، هل انتهى العالم؟!
*أبداً، ولكنها مرحلة تافهة بقيادات تافهة تتاجر بالغرائز والسلاح والدولار والحشيشة والأفيون والشعارات الكاذبة، تسوق الناس إلى الموت ومعهم ما تبقى من البلاد، حتى لتستكثر على أي منهم أي يذكر اسمه في جريدة؟!
-ولو؟! ألا يستحق كريم بقرادوني أن تفرد له الصحف صدر صفحاتها الأولى ليقول بعض ما يعرف من حقائق خطيرة، لاسيما عن استراتيجيات الدول العظمى؟!
*بلى، لقد صغرت البلاد وتضاءل عدد العارفين فيها بحيث صار بقرادوني كبير الخبراء في السياسات المحلية والإقليمية، العربية والدولية، الأرضية والفضائية.
-هل هو الذي كبر أو إن الآخرين صغروا أو تصاغروا؟!
*لا فرق، المهم إن البلد صغر في عيون الجميع، فافترض كل منهم إنه صار بوسعه أن يضعه على “عربيته” وأن يدور به على أثرياء العالم يعرضه عليهم في سوق النخاسة.
-والحل؟!
*أن تظل، أنت المواطن، كبيراً، لقد صغروا الوطن ليصغروك. ضربوا الاقتصاد ليذلوك. جعلوا الليرة قرشاً والدولار الها ليلغوا أثرك ودورك في القرار، فهل تستطيع، بعد أن تحفظ نفسك؟!
-ربما لكن هذا صعب؟!
*هذا هو خيار، تكون بين صانعي أخبار الغد أو تغدو اسماً في أخبار الأمس، التي مر ذكرها…
-أنت تدعو إلى الثورة؟!
*لقد بدأنا نقترب من موعد الأخبار… المهم أن نكون بين صناعها، المهم أن نهزم الموت والقتلة. المهم أن ينتصر “اللبنانيون” على “الدولاريين”، المهم أن نثبت إننا ما نزال هنا، وإننا ها هنا باقون، وإننا على موعد مع وردة مبللة بندى فجر جديد.
-هذا حلم…
*ولكنه يستحق أن تعيش له، وأن نعمل له، بدل أن يسحقنا الكابوس الذي يبدأ وينتهي بأسماء السادة الزعماء وأشباه الرجال الذين بنا يتحكمون.. وهل أروع من الحلم وأبهى. نقدم، ولنصنع معاً حلمنا، ليكن الحلم خبراً، فهذا ما يصنع التاريخ.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان