لم نكن نحتاج إلى “جريمة كاملة”، إلى صدمة صاعقة، مثل اغتيال رشيد كرامي لنتذكر، نحن في لبنان، إننا ما نزال نعيش عصر الهزيمة، وإن الهرب من ساحة الحرب البائسة في 5 حزيران 1967 لا ينفع في تأمين الهاربين من النتائج العميقة للزلزال الذي ضرب العرب جميعاً قبل عشرين عاماً وما تزال تداعياته المنطقية تفعل فعلها في الأرض والناس.
إنه اليوم – الدهر!! وإذا كان جيلنا قد شهد بداياته واكتوى بنارها فتمزق أو تشوه أو أضاع الطريق والهدف، فمن المؤكد إننا لن نشهد نهايته التي ستظل تنتظر بطلها المرتجى بين أجيالنا الآتية والتي ما تزال الآن في ضمير الغيب.
عشرون عاماً 5 حزيران.
عشرون عاماً، كل عام 12 شهراً، وكل شهر ثلاثون يوماً (أو يزيد)، وكل يوم 24 ساعة، وكل ساعة 60 دقيقة، وكل دقيقة 60 ثانية، وكل ثانية ستون 5 حزيران… والثواني سيوف صدئة تحز الأوردة والأعصاب فتنتفها وتتلفها ولكنها لا تقطعها فنظلم محكومين بالموت البطيء، والتهالك المتواصل والتهاوي نحو قاع لا نتبينه ولا نعرف ماذا ينتظرنا فيه، ومع هذا نتمنى أن نرتطم به – في أي لحظة – فنتحطم ونرتاح من هم التوقع ومن الشعور بالمهانة المتفاقم مع كل شمس جديدة، مع كل حدث جديد، مع كل خبر جديد، والهزيمة وحدها الحدث والخبر، والحبر حزيراني وكذا الريشة والأسلوب وما بين السطور.
الهواء حزيراني، نكهة الطعام حزيرانية، اللغة حزيرانية وكذا الموسيقى وقصائد الشعراء ولوحات الرسامين وأغاني الحب المريض بالهزيمة.
تهرب من ذاتك، تحطم مرآتك، تمزق كراسة الورد، تحاول أن تغير ملامحك واسمك وسائر مواطن الهزيمة في مسام جلدك ولون بشرتك، فإذا بالهزيمة تنتظرك في النسيان، وإذا أنت محاصر بهذا الرقم اللعين، بهذه الحلقة الجهنمية المقفلة 5 التي تلتف حول عنقك، حول أفكارك، حول أحلامك، كالعقدة في حبل مشنقة.
عشرون عاماً 5 حزيران،
عشرون عاماً من محاولات الهرب من مواجهة النتائج، بأحجامها ومخاطرها الحقيقية!! عشرون عاماً من محاولة إيهام النفس إن السلام ممكن وإن الاستسلام مجد، وإن إسرائيل عدو البعض لا للكل، وإنك إن أنت أعطيتها ما يطمئنها إلى سلامة حدودها (المجهولة التخوم) أعطتك الأمان والأرض والفسحة الكافية من العمر لانفاق نصيبك من مداخيل طفرة الذهب الأسود.
وها الذهب يذهب والأسود يبقى حزيراني البشاعة والقتامة، وصمة على الجبين، بقعة من الظلام تغطي البؤبؤ فتمنع الرؤية، وجلطة في الدم تندفع في الطريق إلى القلب فتعطل النبض وتشل قدرتك على إطلاق الآهة المنبهة.
أهي مصادفة إن أنظمتنا جميعاً تكاد تكون في عمر العشرين 5 حزيران؟! الجديدة هي النقطة التي تكون الأزمة السابقة قد وصلت إليها في ذروة تعقيدها.
ولا يريد المخلصون للبنان أن يكون اغتيال الوطن اللبناني، في اغتيال رشيد كرامي، مجرد محطة على طريق الانحدار، تماماً كما لا يريد المخلصون لطموحالت هذه الأمة وآمالها أن يكون اغتيال الأمة العربية، في 5 حزيران، مجرد محطة على طريق الاستسلام لإرادة المغتالين.
وليس خطاباً سياسياً فقط ما يقال في هذا المجال، بل هو مصلحة سياسية أيضاً لمن لا تهمهم إلا مصالحهم السياسية والشخصية المباشرة.
في حزيران اللبناني والعربي من العام 1987، وذكرياته اللبنانية والعربية من العام 1982 والعام 1967، مناسبة للعودة إلى العقل بعد أن فقد الجميع ليس عقولهم فقط وإنما حبهم الغريزي للبقاء والتقدم والطموح أيضاً.
ومناسبة لإعادة النظر في الأخطاء ومحاولة تخطي الأوضاع المهترئة القائمة بعد أن اعتاد الجميع على الأخطاء، بل وعلى الخطايا، وكادوا أن يقتنعوا بأنها جزء لا يتجزأ من تركيبهم البشري والطبيعي.
والبداية تكون بإعلان الأمور كما هي عارية من دون أقنعة ولا ستائر، ودائماً من أجل الحفاظ على لبنان وعلى الأمة، ففي تحمل المسؤولية وتحميلها لأصحابها تكمن مصلحة الحفاظ على الشعوب والأمم وليس في أسلوب التجهيل والتغطية على المسؤولين.
وشروخ 12 سنة من الحرب اللبنانية، وكذلك شروخ 20 سنة من العدوان الإسرائيلي في 5 حزيران، لن تلتئم إلا عن هذا الطريق.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان