أخطر ما في الوضع العربي الراهن هو المناخ السائد، وهو مناخ فاسد ومفسد إلى حد التسبب في القتل: قتل الحس الشعبي، وبالتالي الفعل، وحتى رد الفعل ومن ثم الصحوة الضرورية لاستعاغدة زمام المبادرة في مواجهة “فعل” الأعداء.
ولقد تبدت صورة إضافية لنتائج هذا المناخ المرضي أمس، وعبر ردود الفعل العربية الخافتة (بل الصامتة) على الاعتداء الأميركي على الجماهيرية العربية الليبية ففي ما عدا ياسر عرفات ورفاقه في المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية والمواقف المبدئية لدمشق وعدن والجزائر وبغداد، بدا وكأن “العرب” يقفون مع الأسطول السادس في ضرب ليبيا.
وفي حين صفق بعض العرب “يتساءلون” حائرين عن البادئ بالعدوان، ذهب بعض آخر منهم إلى لوم ليبيا على “طيشها”: فماذا لو جابت سفن الأسطول السادس مياه بحرها، وماذا لو مسحت طائرات “التومكات” أجواءها وشواطئها؟!
ولعل بينهم من حمل ليبيا مسؤولية أن شواطئها لم تنكفئ متراجعة أمام تقدم سفن “اليانكي” إلى حد الالتصاق والتطابق مع خليك المكسيك أو سان فرانسيسكو.
ومفهوم إن هذا الوضع هو النتيجة الطبيعية لقهر الإرادة الشعبية العربية، ولحالة الانفصال الكامل القائمة بين الشعب، الجماهير، الناس، الأمة وبين الأنظمة الحاكمة التي ترى إنها لا تستطيع أن تحكم إلا إذا ضربت إرادة القتال في صدور مواطنيها… فإرادة القتال تمثل، في بعض جوانبها، إرادة التغيير.
وهكذا تتداخل الأشياء وتمحي الحدود بين ما هو موجه ضد الوطن والأمة، وما هو موجه ضد نظام ما، وبالمقابل بين ما هو موجه ضد العدو وما هو موجه ضد الشعب… وبمقدار ما يدمج النظام صورة الوطن والشعب في شخصه يكون – بالضبط – كمن يعلن الشعب عدوه الأساسي، وربما الوحيد. وتكون النتيجة أن يقهر الشعب بذريعة الاستعداد لقتال العدو، فإذا فرض العدو علينا القتال ولم يجد من يرد له التحدي اتهمت الأمة بأنها متخاذلة، مستسلمة وعازفة عن النضال ومتاعبه القاسية.
من هنا فقد بدا، أمس، وكأن حكامنا – بأغلبيتهم – مجرد “مارينز” في الأسطول السادس، كما يتبدون لنا نحن في لبنان ومنذ سنوات طويلة وكأنهم مجرد جنود إضافيين في جيش الدفاع الإسرائيلي، وهم على أي حال يتبدون دائماً وأبداً وكأنهم أسباب سيادة هذا الوضع العربي الراهن ومنطلق المناخ الفاسد إياه.
ومن هنا يتجلى أن أخطر ما في الوضع العربي الراهن هو الوضع العربي الراهن.
وإن لا بد من إسقاط جلالة “الاف – 14” وفخامة “الاف – 15” وسعادة “الاف – 16” وإلا أسقطت الأمة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان