… وعندما انكشفت لعبة “الأمن والسيادة” مقابل أي حديث عن “المطالب والإصلاح” ابتدعوا لعبة قذرة جديدة أوضح في دلالاتها ومضامينها السياسية: فكلما خفت حدة القتال المباشر وصار ممكناً الوصول إلى اتفاق على وقفه، دبروا مذبحة طائفية ليشعلوا النار من جديد في جسد الوطن، في قلبه وحناياه حتى تتمزق وحدته ويغدو التقسيم مطلباً وهو في الأصل مؤامرة!
وهكذا يبدو “مقدراً” علينا ألا نبحث في الاصلاح، وشرطه الأول إلغاء الطائفية، إلا في الفترة القصيرة الفاصلة بين مذبحتين طائفيتين!
وهذا الطابع الطائفي الصارخ للمذابح الجماعية التي نظمت وتنظيم، من “السبت الأسود” إلى “حارة الغوارنة” إلى “سبنيه” لا يمكن أن يفهم إلا بوصفه تمهيداً عملياً (وهل أكثر من الدم؟) للتقسيم!
فالوطن، أو مشروعه الذي كان، يصير مجموعة من المستوطنات الطائفية تفصل بينها قوى الأمن في الأحوال العادية، و”القوة الضاربة” في حالات “الهدنة” وقوات الجيش في حالات “الاشتباك المتواصل” كما حول زغرتا في الشمال وحول زحلة في البقاع!
والجدار النفسي الفاصل بين المواطنين يزداد سماكة وارتفاعاً، بما يمكنه من حمل الزعامات الطائفية الثقيلة وارتباطاتها المشبوهة بجهات متعددة بينها – بالموقف العملي وليس فقط بالاستنتاج – العدو الإسرائيلي ذاته.
على إن الضحية أوعى، بالتأكيد، من الجلاد والسكين. و”الضحية” ارتضت لنفسها هذا الموقع حتى لا تعمل سكينها في الوطن ذاته،
لكنها تقاوم، وستقاوم أكثر. تقاتل وستقاتل أكثر. وستظل أكبر من القتل وأقوى. هي بحجم المقاتل صاحب القضية، ولن تصيبها لوثة الدم فتعميها وتفقدها الطريق والهدف.
والمعركة مفتوحة بين المقاتلين وعصابات القتلة الشاهرين خناجرهم لاغتيال الوطن.
ولسوف يبقى المقاتلون من أجل لبنان – الوطن في كل شبر من لبنان. لن يتركوه. سيبقون في سبنيه وفي حارة الغوارنة، في الساحل والجرد، في السهل والجنوب المستباح. وسيستمرون في القتال دفاعاً عن كل شبر ولو سقط نصفهم شهداء.
وقتال اليائسين ، أعداء التاريخ والحقيقة والانتماء والهوية القومية للبنان، سينتهي بانتحارهم، مؤدياً للبنان الوطن خدمة عظمة إذ سيعجل بلحظة ميلاده المجيدة.
وستكون على جبينه أسماء الصامدين في سبنيه وحارة الغوارنة وفي كل مكان رفض فيه المواطن أن يتحول إلى وحش يلتهم الوطن وأخوانه فيه باسم حماية امتيازات الطائفة والمنتفعين بها.. وكلهم جلاد له، كما لوطنه وكما لأخوانه فيه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان