قف لحظة في مواجهة نفسك،
إن منظرك مخيف بما تراكم فوقك من غبار!
تكاد لا تعرف صورتك، وتفتقد بالقطع صورتك الأولى!
انفض إذن، الغبار عن ذاكرتك، عن وجدانك، عن عواطفك الحبيسة،
تشجع، لا تخف أن تتعرف عليك أنظمة القمع وجلاوزتها والعسس، وأن يتقدم منك من يشهر عليك اسمك الأصلي وعواطفك البكر ومبادئك المنسية باعتبارها “ممنوعات مهربة”!
لا تخجل بتأكيد انتمائك إليك: فأت عربي، وهو قائدك واليوم ذكرى الثورة التي جعلتك كبيراً وأعطتك – لأول مرة – موقعاً في الكون، وفي قلب مركز القرار الدولي.
ارفع رأسك يا أخي!
ارفعه، وليتحطم السقف الذي ظلوا ينزلونه به ليصغروك حتى كدت تمحى وأنت تغور في الأرض!
ارفعه، ولتتمزق كل الشعارات المزيفة، كل صور أشباه الرجال، كل الكلمات المزينة الانحراف وكل علامات الهزيمة التي أرادوا أن تكون نسبك وقدرك وغدك الآتي!
ارفع رأسك، فأنت أقوى من الهزيمة ولطالما هزمت هزائم مكدسة فوق صدرك منذ دهور ودهور!
أنسيت مصر الملكية والإنكيز فيها سادة الملك؟
أنسيت عراق نوري السعيد وحلف بغداد وجون فوستر دالس ومعاهدة الدفاع المشترك عن مصالح الغرب؟!
أنسيت يمن الإمام أحمد وبدر، واليمن الآخر “المحمية” باسم “الجنوب العربي”؟!
أنسيت “الجزائر الفرنسية” ومنظمة الجيش السوري وأصحاب “الأقدام السوداء”؟!
أنسيت إنه بك – وبك وحدك – استطاع أن ينتصر في المعركة ضد الأحلاف، وأن يكسر احتكار السلاح،
أنسيت إنه بك – وبك وحدك – قادنا إلى النصر في معركة تأميم القناة، وفي استعادة هوية مصر القومية، ومخعها هوية كل قطر عربي على حدة؟!
أنسيت إنه بك – وبك وحدك – تمكن من إقامة أول تجربة وحدوية في التاريخ الحديث؟!
نشط ذاكرتك واستعد ذاتك وعد إلى حيث يجب أن تكون،
اسقط كل المفردات التافهة التي شوهت تفكيرك ومنطقك وأفقدتك لغتك وجعلتك مسخاً: تستحي بعروبتك فتداريها، عن عيون “مثقفي آخر زمن”، مدعياً الانتساب إلى نمط من اليسار يقتلعك من أرضك ويرميك هواماً في سديم بلا أفق، فإذا أنت لا شيء لا شيء حتى إن رجلاً محدداً كبشير الجميل يجتذبك ويربكك وقد يتاوزك وأنت منهمك – عبثاً – في إخفاء جذورتك أو التنصل منها لتكون “على الموضة”!
كن أنت!
ولكي تكون أنت فلا بد من بداية،
والبداية: ارفع رأسك!
الأرض أرضك، البلاد بلادك. الثروات ثرواتك. الجيوش جيوشك…
ستسأل عن الحكام: لا يهم! إذا استعدت نفسك فلن يطول بهمخ المقام، أما إذا ظللت في صحراء تيهك فسيظلون أسيادك ومستعبدي أجيالك الآتية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
كن أنت. أنت العرب. ليسوا خارجك. هم مثلك يعيشون ضياعاً مثل ضياعك. يفقتدون أسماءهم وملامحهم الأصلية، لا تطالبهم بما لا تفعل. افعل أنت فيفعل هو ويفعل الثالث والرابع وتكون “المعجزة” التي ينتظرها الجميع.
المعجزة أنت، فيك، لا خارجك.
الأرض أرضك. البلاد بلادك: القرار قرارك.
وهو أنت بقدر ما تريد أن تكونه.
هو ينتظرك وليس عليك أنت أن تنتظره.
لقد جاء وأنجز مهمته ومضى.
أصاب وأخطأ. قاتل وانتصر. وقاتل وهزم، وحين هوى كان السيف في يده ما يزال.
خذ السيف. خذ الدور. خذ القرار. كنه.
قرر إن هذه الأرض أرضك. وإن المستقبل ملكك. وإنك لن تترك لأية قوة في الدنيا أن تتحكم بكز أن تستعبدك، لا من قوى الهزيمة في الداخل، ولا من قوى العسف والبغي في الخارج.
إنك الآن تعرف كل شيء، كل الأمكنة، كل الأزمنة، كل قوى الشر والطغيان والجريمة.. وتعرف الطريق الخطأ!
لقد واجهت الإسرائيلي مرتين كأسطورة: مرة بوصفه “المسخ” و”المزعوم” ومرة بوصفه “القوة التي لا تقهرل”، وآن الأوان لأن تواجهه مرة كما هو بالضبط خصوصاً وإنك الآن تعرفه تمام المعرفة.
ارفع رأسك. حدق في الأشياء من حولك. حدق في الرجال مواجهة. حدق في عيونهم.
لا ترفع كتفيك متنصلاً مما يجري بحجة إنك لا تستطيع وحدك تغيير الكون.
ولا تقلب شفتيك مدعياً إن الأمر لا يعنيك طالما إنه بعيد عنك.
أنت الكون. كونك.تتخلى عن نفسك فتسقط، تحفظ نفسك فيكون لك ما تريد.
ارفع رأسك.
لقد سمعت نداءه مرة فرفعته، فإذا بك تغير الدنيا،
وآن أن ترفعه الآن بعد طول خفض بالقهر أو بالعجز أو بالخوف أو بالجنوح إلى الراحة ولو كانت تسمية مموهة للاستسلام.
فارفع رأسك،
… وإلا فستضطر قريباً على أن ترفع يديك!
ارفع رأسك، كن أنت، احم رايتك وردد نشيدك وتقدم، فتلاقيه فيكز
كن أنت تكن هو.
وتحية إليه في “عيده”،
تحية إلى “العربي” العظيم الذي صنع لنا مجدنا ثم ساهمنا مع الأعداء في طمس صورته وإخماد صوته، ونكسنا بعد ذلك الرؤوس.
تحية إلى جمال عبد الناصر في كل واحد منكم، بشرط أن يرفع رأسه ليكونه.
تحية إلى زمن السلاح وإلى الناهضين بقوة السلاح لمواجهة من يريدون إخضاعنا لليل هزيمة بلا نهار.
تحية من بيروت التي كبرت به، تماماً كما كبرت به القاهرة، تماماً كما كبرت دمشق وبغداد وصنعاء وعدن وطرابلس وبنغازي وتونس والجزائر والدار البيضاء الخ.
تحية إليه حيث هو: فيصدر كل عربي، في الرأس غير المنكس لأي عربي ما زال مستعداً للقتال من أجل غد أفضل.
تحية إليه ونحن نستعيد وعينا شيئاً فشيئاً ونفيء إلى رايته الخفاقة: راية الثورة العربية المجيدة.
تحية مع العهد: ألا نخفض رأسنا أبداً، وألا نسلم بالهزيمة أبداً، وأن نقاتل حتى نكون ما ينبغي أن نكون.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان