لا بدّ من التنويه بأمن الانتخابات، في الجنوب خصوصاً، حيث كانت المخاوف من التصادم المبرِّر الأساسي للائتلاف »المفروض« بالاضطرار، ثم في المحافظات الثلاث السابقة زمنياً في »معاركها«، أي جبل لبنان والشمال والعاصمة بيروت.
هي نموذجية من حيث الأمن الذي لا يوفره، بأي حال، العسكر وحدهم وإنما الناس، أي الجمهور الناخب .
لكنّ الأمن ليس هو الديموقراطية، وأحياناً كثيرة يكون على حسابها.
وليست هذه هي الحالة مع الانتخابات في لبنان بالدقة.
وفي أي حال، فقد ثبت أن المواطن العادي لا يقل حرصاً عن السلطة في حماية الأمن عموما،ً وأمن الانتخابات خصوصاً.
وثبت أن الانتخابات ليست مصدراً للخطر يستثير الرعب، ويهدد الاستقرار، وأن المواطن الناخب ليس كتلة من الأحقاد والكراهية والعداء لمشروع الدولة، وأنه ما إن يعطى فرصة للتعبير عن نفسه حتى يتفجر فيدمر كل شيء.
وثبت أن المواطن الناخب لا يأخذ مطلقاً بمقولة »التطرف والاعتدال«.
وفي الجنوب تحديداً لو أخذنا بهذه المقولة لكان علينا اعتبار ربع المليون (أو أكثر قليلاً) ممن انتخبوا اللائحة الائتلافية جميعاً من »المتطرفين«.
الجيد في الانتخابات من الناس، من المواطنين، من الناخبين، الذين تمكنوا من أن يستعيدوا حداً أدنى من تقاليد العمل السياسي ومن حقهم في التعبير عن رأيهم.
و»السيئ« في الانتخابات مصدره »السلطة«، وليس الناس، يستوي في ذلك بعض المشكلات ذات الطابع الإداري (لوائح الشطب، التزوير في إخراجات القيد، الرشوة… الخ)، أو المشكلات السياسية مثل فرض اللوائح عبر تحالفات غير منطقية إلا من خلال تقسيم الناس إلى »موالين« وإلى »معارضين« ولمن في السلطة وليس للدولة أو النظام أو الاستقرار والسلم الأهلي..
و»السلطة« مصدر للسوء في العملية الانتخابية، لأنها، في مختلف المحافظات والدوائر، »مرشح ممتاز«، محصن بالتحالفات والإمكانات واستغلال النفوذ، بحيث لا يمكن »التنافس« معه، فكيف بالتغلب عليه.
كل السلطة كانت في »المعركة« التي تغيب عنها أية فرصة للتكافؤ.
فمنذ ثلاثة شهور على الأقل و»الحكم« في إجازة، ومصالح البلاد والعباد مشلولة أو مرجأة أو معطلة (أبسط مثال أن جلسات مجلس الوزراء صارت شهرية!!).
فالسلطة جمهرة من المرشحين الممتازين، والمؤكد نجاحهم سلفاً،
رئيس المجلس النيابي والغالبية الساحقة من النواب،
رئيس الحكومة والغالبية من وزرائه،
كلهم كان يجول ويصول في المناطق، بالسيارات ذات اللوحات المميزة، والمواكب الجيدة الحراسة، والالقاب المعظمة او المفخمة او المتعالية..
كلهم كان يعطي باسمه من كيس الدولة، اي من كيس »الناخب«، ويقف للصورة التذكارية وكأنه »فاعل خير« يتصدق من حر ماله على الايامى واليتامى والمساكين بمدرسة هنا ومستوصف هناك، وبعض الزفت في كل مكان، وتحت لافتة الانماء المتوازن غالباً، وضرورة نصرة »المقاومة« دائماً، مع تزكية للاعتدال(؟) على التطرف واستذكار للقرار 425 لمواجهة مشروع »لبنان اولا« ونوايا نتنياهو الخبيثة!
إن ابرز عيوب هذه الانتخابات التي لا يمكن إنكار إيجابياتها الكثيرة، ولا يمكن التهوين من الجهد الذي بُذل لتوفير جو امني ممتاز لها، انها تحمل الكثير من سمات السلطة القائمة.
لقد دخلت السلطة الحلبة حاملة اليها كل »تقاليدها« في العمل (خارج السياسة): فالتحالف نوع من التواطؤ على آخرين اكثر مما هو لقاء على برنامج، والمنافس سرعان ما يتحول من خصم انتخابي الى عدو للنظام او للاستقرار او للكيان او للسلم الاهلي، وسرعان ما يُدمغ بانه من »جماعة 17 أيار«، او انه من غلاة المتطرفين الذين يريدون اعادة البلاد الى الحرب او الحرب الى البلاد، لا فرق، و»الضم« الى اللائحة صفقة لها رائحة مميزة، والاستبعاد عنها صفقة خائبة إما »لضيق ذات اليد« وإما لبروز من هو أسخى في الدفع..
إنها انتخابات هادئة اكثر مما يجب، ربما لانها جرت »خارج السياسة«.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان