أخيراً، وبعد جهود مضنية في المساومات وعقد الصفقات بالتنازلات المتبادلة عن حقوق “الرعايا”، تمكنت الطبقة السياسية من التوافق على قانون جديد للانتخابات هو عبارة عن خلطة عبقرية من الستين مع النسبي مع الأكثري مع الصوت التفضيلي.
من عنده شك، بعد، بأن لبنان، وتحديداً الطبقة السياسية فيه، فريدة في بابها، مبدعة في ابتكاراتها، خلاقة في فنون تزوير الارادة الشعبية عبر تقسيم الناس طائفياً، ثم مذهبياً، ثم مناطقياً، ثم جهوياً، ثم بقانون مبتدع فيه من الستين “روحه” ومن النسبية شكلها، وان ظل الصوت التفضيلي هو صوت “الزعيم” المرجح ..
المأساة أن الرعايا من الناخبين يشتركون مع “الأقطاب” في هذه اللعبة القاتلة لما يسمى في بلاد الآخرين “إرادة الشعب”. ذلك أن الشعب سلم بأنه مجموعة من الطوائف والمذاهب التي لا يجمع بينها وطن بل “كيان” … والكيان، بحد ذاته، نفي لحقيقة أن لبنان وطن، بل هو دار رعاية أو لجوء أو استيطان لمجاميع من البشر تواجدوا فيه بالمصادفة القدرية، واكتسبوا جنسيته بالوراثة أو بالتجنيس المذهب أو بذريعة التوازن الطائفي بين أكثرية يستحيل انقاصها وبين أقلية تستحيل زيادتها بما يكفي للتعادل مع الأكثرية..
الطريف أن “الدولة” لا تتعامل مع رعاياها على أنهم شعب واحد بل على أنهم طوائف عدة، لا تجمع بينهم أرض محددة ولا يوحدهم المصير المشترك..
كذلك فالشعب الممنوع من أن يكون شعباً واحد بمصير واحد، يعامل بطوائفه … ففي الكيان الطوائف هي الأساس وليس الشعب، بينما الوطن يوحد الشعب من فوق الطوائف والمذاهب وحتى الأديان .. أما الكيان فهو “ملجأ” الطوائف وليس وطناً لجميع أبنائه. وفي الوطن يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات، أما في الكيان فالرعايا درجات بطوائفهم، إذ هناك رعايا من الدرجة الأولى، ورعايا من الدرجة الثانية وحتى الثالثة، وثمة رعايا خارج أي تصنيف..
هكذا تصير الديمقراطية على الطريقة اللبنانية تثبيتاً للنظام الطوائفي، وتصير الانتخابات بالتالي، مجرد عملية تجميلية لنظام هو أسوأ في جوهره من نظام الفصل العنصري..
في لبنان وحده، وعبر نظامه الفريد القائم على مزاوجة الطائفية مع العنصرية تصبح الانتخابات أداة تزوير ليس لأصوات الناخبين الذين يفرض عليهم أن يعودوا رعايا لطوائفهم بل لهوية الوطن ودولته وشعبه.
كيف لدولة تنظر إلى شعبها على أنه طوائف مقتتلة أن تدعي الديمقراطية وثمة تمييز بين رعاياها على أساس طائفي ومذهبي من تحت إلى فوق أي من العامل في البلدية إلى رئيس الجمهورية؟!
Ghazi Q Hassoun
يونيو 25, 2017تحليل دقيق وسهل الفهم للوضع اللبناني المؤسف ان لم يكن مخزي، جازاك الله خيرا ولا حول ولا قوه الا بالله. أشكرك لهذه المقاله.
رجاء ثابت
يونيو 24, 2017كلام صحيح، ولكن ما هو البديل. اﻹنتخابات العامة على أساس ديموقراطي صميم؟ عندئذ سيصوت الناس على أساس طائفي وتضيع حقوق الطوائف اﻷقل عددا. هل عند الكاتب الحل البديل؟ يا حبذا!!!
شريف
يونيو 24, 2017النظام الطائقي يتنافى مع الديموقراطية. وهذا ما أرادته للعرب الأمبريالية العالمية والهيونية التي تضحك عليهم وتنهب ثرواتهم وتخلق فيما بينهم انشققات وتنشب بينهم حروب، ثم يبيعون لهم السلاح لكي يستفيدوا من أموالهم و من غباوتهم على كل الأصعدة.