ليس الحصار إلا جولة جديدة من الحرب الإسرائيلية على لبنان، هي في مفاعيلها أشد أذى على اللبنانيين مع أنها أقل كلفة على الإسرائيليين بما لا يقاس.
مع ذلك لم نلمس أو نسمع عن تحرك عربي جدي لمواجهة هذا الحصار باعتباره امتداداً للحرب، بغير دوي..
يبدو أن الإخوة العرب قد اطمأنوا إلى أننا بخير، وأنهم قد فعلوا كل ما عليهم وأكثر: أرسلوا شحنات من المساعدات الإنسانية، فيها معلبات وعصائر، وفيها أدوية وأمصال، وفيها وجبات سريعة… بل أنهم قد أوفدوا إلينا نخبة من أطبائهم فأقاموا، مشكورين، مستشفيات ميدانية لمعالجة ما أمكن من جراح إخوانهم، والتخفيف من آلامهم… وهذه منّة سنحفظها لهم في أعناقنا.
ولكن أين السادة الوزراء، أمراء ومشايخ وأفندية، وكل منهم يتحرك بطائرة (أو واحدة من طائراته الخاصة)؟!
لماذا حرمونا أنسهم، فلم يطل علينا أحد منهم بطلعته البهية، وفي مهمة سلمية مائة في المائة، بقصد أن يطمئننا عن أحوالهم في أقطارهم، وهل تأذت حكوماتهم ومصارفهم وشركاتهم المالية والإعمارية من هذا الحصار؟!
لماذا غابوا عن السمع؟ هل اعتبروا أنهم قد أدوا قسطهم للعلى فناموا؟!
ثم أن الملوك والرؤساء والأمراء وحتى المشايخ يهنئون أنفسهم على الإنجاز التاريخي متمثلاً بالقرار ,1701 وهو أميركي فرنسي أصلاً وتعديلاً، وربما نجحوا في حذف كلمة أو إضافة إشارة إلى النقاط السبع ، ولكن لا يدعين أحد أنه قد استنفد الجهد العربي في ما تقدم ذكره، وأن التداعيات المنطقية للحرب الإسرائيلية، لا سيما في جانبها السياسي، وأبرزها الحصار، هي مجرد تفاصيل يترك للسيد كوفي أنان معالجتها عشية خروجه من منصبه السامي… ولعل جهده في ما خص لبنان يمثل آخر مهمة رسمية له.
لم يطلب أحد من القادة العرب المشاركة في صد الحرب الإسرائيلية أو في الاحتفال بالنصر البهي الذي حققه شعب لبنان بصموده وبالقتال الأسطوري لمجاهدي مقاومته.
كذلك فإن اللبنانيين سيحفظون بامتنان عميق لكل من ساعدهم أو تعهّد بأن يساعدهم في إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية الهمجية.
لكننا نفترض أن عشرين ملكاً ورئيساً وأميراً يملكون ما يملكون من ثروات ومن صداقات ومن قدرات على التأثير، يمكن لهم أن يقدموا جهداً في مواجهة الوجه الآخر للحرب الإسرائيلية المتمثل في الحصار الذي يتقصّد إذلال لبنان المنتصر والتعويض عما لا يعوّض مما فقده الجيش الذي لا يقهر من سمعته العسكرية ومن قدرته على ربح جميع حروبه مع العرب بالضربة القاضية وبسرعة قياسية.
ولما كان متعذراً على النصر في لبنان أن يخرج إلى السادة القادة العرب العرب، بسبب الحصار،
ولما كنا راغبين في أن يشاركنا الإخوة العرب ابتهاجنا بهذا النصر،
ولما كانت طائراتهم جاهزة دائماً للإقلاع،
ولما كنا في رغبة عارمة للاطمئنان إلى سلامة أوضاعهم وإلى سلامة صحتهم،
.. فلا أقل من أن يشرفونا بزيارة قصيرة، كالتي جاءوا فيها إلى مؤتمرهم التاريخي الذي أهملوا فيه الإشارة إلى المقاومة، فنطمئن عندها إلى أنهم قد خرجوا من هذه الحرب… بالسلامة،
والسلامة غنيمة، من قبل ومن بعد،