في الفترة الفاصلة بين غارتين إسرائيليتين على غزة، وبغير أن تتوقف عمليات الدهم والاعتقالات الكيفية الجماعية، وهدم البيوت والمنشآت بالجملة، ومع استمرار فرض المنع الدائم للتجول على الفلسطينيين في مختلف المدن والقرى في الضفة الغربية، بما يعنيه ذلك من تجويع وإذلال وإقفال لباب الرزق، وتعطيل لدورة الإنتاج المحدودة جداً،
في الفترة الفاصلة بين مذبحتين وبين حملتي اقتلاع للناس الفقراء من بيوتهم »المشبوهة« تمهيداً لنسفها وإطلاق الجرافات الإسرائيلية لتسويتها بالأرض، مدمرة تعب العمر، مشردة العائلات بالأطفال فيها والنساء والعجائز في العراء،
في الفترة الفاصلة بين اغتيال واغتيال لهذا القائد أو ذاك من كادرات المقاومة الفلسطينية، وبين شطب لهذا المرفق أو لتلك المؤسسة أو لذلك المركز من مراكز »السلطة« أو شرطتها المشردة الآن والفاقدة لإطارها الضابط والممنوعة من ممارسة مهماتها الطبيعية،
في الفترة الفاصلة بين إحساس شارون بالكارثة وبين غرق جورج بوش في الحزن على »ضحايا العنف« من الإسرائيليين المسالمين، الأبرياء، الذين يعملون على مدار الساعة لتوكيد الأخوّة مع الفلسطينيين بالدم (الدم الفلسطيني وحده…)،
في هذه الفترة بالذات وجدت القيادة المصرية فائضاً من الوقت يمكن منحه لحامل ثلث جائزة نوبل للسلام، وزير خارجية شارون: شيمون بيريز، مع علمها كما قال وزير الخارجية أحمد ماهر ب»أنه لم يأت بجديد، لأنه لم يأت لكي يقدم جديداً، ولا هو طلب نقل رسائل إلى الفلسطينيين، ولا تقدم بمقترحات معينة«.
وعلى امتداد ساعات بعد الظهر، أمس، احتل شيمون بيريز شاشات معظم الفضائيات العربية، إذ تزاحمت جميعاً على نقل مؤتمره الصحافي »حياً« وبثته مباشرة من القاهرة، وهو يكرز فعل إيمانه بالسلام وبالمحبة وبالأخوّة مع الفلسطينيين، وبين »بشائره«: »لا وجود لمن نتحدث إليه في الجانب الفلسطيني، صحيح أن السلطة أو القيادة الفلسطينية منتخبة ولكنها حكمت بشكل سيئ، ولا نعرف عنوان الفلسطينيين…«.
ربما كان »العذر الشرعي« لهذه الفضائيات أنها هي الأخرى تلعب في السياسة فتزكي »رجل السلام« في إسرائيل، شيمون بيريز،، على حساب »رجل الحرب« أرييل شارون، مؤكدة أن الفضائيات العربية ستغيّر التاريخ وستبدل من طبيعة إسرائيل العدوانية.
ومع أن الكلام الرسمي المصري لم يتضمن أية تنازلات أو أي ترويج للأوهام حول نهج شارون وحكومته، يصبح السؤال مشروعاً: لماذا إذاً استقبال بيريز، في هذه اللحظة بالذات، الذي لا يمكن الأخذ بأي تعهد يصدر عنه، ليس لأنه »كاذب« فحسب، بل لأنه ليس صاحب قرار ولا هو شريك في القرار داخل حكومة شارون الحربية.
لعل المكسب الوحيد من هذا الاستقبال الذي ليس له ما يبرّره، اعتراف بيريز العلني: »ان الحل يجب أن يكون سياسياً، فقوة السلاح ستُسقطنا جميعاً ولن يكسب أحد بواسطتها«.
وهو مكسب أضعف من أن يبرر »الزيارة«، وأضعف بما لا يقاس من أن يبرر هذا الترويج الفضائي العربي اليومي لأبطال الحرب الإسرائيلية المفتوحة على شعب فلسطين والمستقبل العربي.