لو أن رفيق الحريري كان الزائر لما استغرب المواطن اللبناني هذه الحفاوة الاستثنائية تبديها الإدارة الأميركية بضيفها رجل العرب الدولي ..
فرفيق الحريري، لا سيما في سنواته الأخيرة، كان قد غدا شخصية دولية بالفعل، يتجاوز بنفوذه وعلاقاته ومشاريعه الاقتصادية لبنان، مؤكداً حضوره النافذ في عواصم القرار العربي، فضلاً عن وهجه الذهبي وحسن رعايته لشبكة علاقاته الدولية غير المحدودة..
أما وأنه فؤاد السنيورة، فالأمر مختلف جداً، وبدلاً من أن تثير حفاوة البيت الأبيض الشعور بالزهو، فهي قد أثارت الكثير من الريب وسوء الظن الذي يكون في بعض الحالات، من حسن الفطن!
ليس في الأمر انتقاص من مكانة رئيس الحكومة، بل إن المبالغة في الحفاوة به قد فتحت العين على أغراض للإدارة الأميركية، غير ظاهرة وغير معروفة، ومن الطبيعي بالتالي أن تفرض طرح أسئلة كثيرة حول هذه الزيارة الطارئة وحول جدول أعمالها الذي لا يمكن أن تبرّره أو توضحه كلمات الترحيب والمجاملة والوعود بمساعدات هائلة، بغير تحديد، لدولة صغيرة تائهة عن مصيرها وغارقة في ديون قد تستهلك أجيالاً من شعبها قبل سدادها.
على هذا، فمن حق المواطن اللبناني أن يرتاب في نوايا الإدارة الأميركية وهو يرى مشاهد حفاوتها الفاقعة في مبالغاتها برئيس حكومته الذي يتمنى لو حظي ببعضها في بيروت أو في مسقط رأسه: صيدا!
ومع التقدير لكفاءات فؤاد السنيورة، فلم يُعرف عنه أنه قطب محوري ولا هو ادّعى ذلك، لا على مستوى بلده الصغير، لبنان، ولا على مستوى المنطقة التي تجللها دماء شعوبها المستنزفة في مشاريع الحروب الأهلية التي لا تستطيع الإدارة الأميركية التبرؤ من المسؤولية عنها.
وبالتالي فمن البديهي أن تلفت إلى حد الريبة الحفاوة الاستثنائية التي خصّ بها الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته المقرِّرة لمصائر الكون، رئيساً بالوكالة لحكومة ائتلافية بالاضطرار، كلما رضي فيها طرف حرد طرف آخر، فإذا أجبرت الضرورة الطرفين على التلاقي صار حضور رئيس الجمهورية المطعون في شرعيته شرطاً لاكتمال النصاب، وبالتالي لاتخاذ القرار في يوميات السلطة بمعناها الإداري لا في أساسيات الحكم.
وبغض النظر عن النتائج العملية لهذه الزيارة التي تقرّرت فجأة وبلا مبرّرات مقنعة، فإن شكلياتها التي تجاوزت المألوف ستثير في وجه السنيورة (وحكومته) إشكالات جدية، ليس في المردود المرتقب من الزيارة الأميركية ما يغري بتجاوزها.
إن هذه الإدارة التي تشتد معارضتها يومياً، داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، والتي بات لها صورة العدو في العالمين العربي والإسلامي، لا تستطيع أن تعطي الكثير، فضلاً عن أن الحكومة التي يزورها رئيسها يطلب أكثر ممّا يقدر أن ينال ولسوف يحاسب بالنتيجة عمّا لم ينله.
إن هذه الإدارة التي تكاد مغامرتها العسكرية باحتلال العراق تغرق العراقيين بدمائهم، وتهدد كيانه السياسي بالانفراط، وتعجز وتُعجِزهم عن تشكيل حكومة بعد أكثر من مئة يوم على الإنجاز الديموقراطي بإجراء الانتخابات بالأمر، وتدفعهم دفعاً إلى حرب أهلية لن تبقي إذا ما توسعت ولن تذر.
… وهذه الإدارة التي وعدت الفلسطينيين أنهم، إن هم نجحوا في امتحان الديموقراطية، فلسوف تعطيهم فوق ما يحلمون، قد انتهى بها الأمر إلى معاقبة شعب فلسطين لأن أكثريته أعطت أصواتها لحماس، فأنزلت به واشنطن عقاباً فظيعاً ممّا شجع الاحتلال الإسرائيلي على تشديد الحصار عليه من أجل دفعه إلى فتنة تهدد ما تبقى له من أمل في حقوقه في وطنه..
إنها إدارة بلا أصدقاء ولا حلفاء.
وكل ما نتمناه ألا يضطر فؤاد السنيورة غداً إلى بيانات توضيح متوالية لتبرير ما قاله أو ما سمعه في واشنطن، على غرار ما حدث منه وله في قمة الخرطوم وبعدها، والذي ربما كان بين ما زكاه فجعله ضيفاً استثنائياً على البيت الأبيض وسيده الذي يدعي أنه يحادث الله… بغير وسيط!