في الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان من الطبيعي أن نطالب العرب، وأن نلوم المتأخر منهم والمتردد، وأن ندين المتخلي والمتواطئ..
أما الغرب بقيادته الأميركية فقد كان موقفه المنحاز إلى الحرب (والتي ثبت أنه كان مشاركاً في قرارها وفي إدامتها) يجعله خارج المحاسبة لأنه أقوى على العرب من أن يحاسبوه، وأقوى على لبنان من أن يسمح للبنانيين بأن يطالبوه، لذا فقد كان يقرّر لهم وبالنيابة عنهم ما يراه مفيداً لمصالحه في المنطقة عموماً، انطلاقاً من لبنان وزيادة نفوذه فيه… ولو بالفتنة!
اليوم، وبعد شهرين من الحرب الإسرائيلية على لبنان يجد اللبنانيون أنفسهم في وضع سياسي أسوأ ممّا كانوا عليه خلال الحرب التي فرضت عليهم، بالرغبة أو بالاضطرار، درجة ممتازة من التضامن في مواجهة الخطر، على المستوى الشعبي، لكنهم ظلوا يفتقدون وحدة الموقف السياسي… بل لقد فوجئوا بأن ذلك الموقف الذي توهّموا أنه سيزداد تماسكاً لمواجهة آثار الحرب قد ازداد تفككاً، واتسعت المسافة بين الأطراف السياسية بحيث نُقلت الأزمة، أو تكاد، إلى الشارع.
الخطر في الأمر تهاوي السياسي إلى الطائفي والمذهبي..
وفي حروب الطوائف والسياسات والتحالفات التي تقوم أو تنهار بسبب المنافسات أو المناكفات الطائفية المذهبية، لا يمكن تحميل المسؤولية لغير القيادات السياسية اللبنانية، والتي بات لها مسرح جديد وذرائع جديدة: بينها المسؤولية عن الحرب، ثم المسؤولية عن نتائج الحرب، ثم المسؤولية عن إزالة آثار الحرب..
إن اللغة السياسية تكاد تختفي من الخطاب الذي يسمعه اللبنانيون من مختلف الأطراف، لتستعاد لغة ما قبل الحرب، مضافاً إليها الاختلاف في تقييم الحرب ونتائجها، بمدلولات طائفية ومذهبية.
ففي لبنان تزيد الحمى الطائفية بقدر ما تنقص السياسة في الخطاب السياسي.
وليس تحميل الرئيس نبيه بري مسؤولية حل هذه المعضلة إلا استعادة لواقعة طنسه الشهيرة، وهو ذلك المواطن الكسرواني الذي حمل وحده مسؤولية صد أساطيل المحور عن الشاطئ اللبناني.
ويبدو أن العيدية ستتأخر… لكن اللبنانيين سيستقبلون العيد بأمل أن الانفراج لا بد آتٍ، حتى لو عطلته بعض العوائق في الطريق.