كثيرة هي الصور المبهرة في هذه الانتفاضة الجماهيرية الرائعة التي يعيشها لبنان في مختلف جهاته، بمدنه وبلداته والقرى والدساكر، وبمجموع مكونات شعبه، وبالذات منهم الفقراء ومتوسطو الحال.
أولها: انتصار “الفرد” اللبناني على ذاته وموروثاته الطائفية والمذهبية، وحتى الطبقية إلى حد كبير.. فالطبقة المتوسطة هي التي ملأت الميادين، أطباء ومهندسون وطلاب جامعات وموظفون مكتفون، نسبياً (أو أنهم كانوا مكتفين) فأفقرتهم سلطتهم بحمايتها ناهبيهم والفاسدين من وجهاء “القوم”، وزراء ونواباً، حاليين وسابقين، فضلاً عن الرؤساء وأصحاب الموقعة التي كانت مصانة بعمائمها وأثوابها الكهنوتية فاستلزمها أصحاب الجلالة والسمو من أغنياء المصادفات القدرية أو الزعامات المحلية التي اغتنت من عرق جباههم والزنود وابداع العقول.
ثانياً: سقوط الزعامات جميعاً التي رفعتها العصبيات الطائفية والمذهبية إلى مواقعها الممتازة وغطت على سرقاتها ونهبها المنظم لأسباب الثروة الوطنية وعرق جباه مواطنيها الذين جعلوهم “رعايا” يقفون بأبوابها طلباً لأبسط وظيفة في الدولة أو في القطاع الخاص: حاجب، دركي، جندي في الجيش، بواب مدرسة الخ…
ثالثاً: سقوط الطائفية والمذهبية والطبقية… فقد مشى الكل جنباً إلى جنب، لم يسأل أحد جاره أو رفيقه في المسيرة عن مذهبه أو طائفته.. ربما سأله عن منطقته ومن أين وكيف جاء، ولكن أحداً لم يسال الآخر عن هويته السياسية مكتفياً بالمشاركة كهوية ناطقة.
لقد “اكتشف” اللبنانيون بعضهم البعض. تعارفوا فإذا هم متشابهون حتى التوحد في أسباب عيشهم وفي أزماتهم المصيرية، في طموحهم إلى وطن حر بدولة مستقلة ولدولة نظيفة، وحكومة طبيعية ليس فيها أصحاب مليارات ونصابون وحرامية ومرتشون يستقوون لمواجهة متاعب حياتهم واشكالاتها ومشكلاتها.
إنه لبنان جديد يستولد، هذه المرة، وليس المصالح الأجنبية التي تحمي نفسها وتموه أغراضها الخبيثة بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لطمس الحقيقة.