طلال سلمان

واين لبنان في ضربة اميركية لسوريا

يحاول اللبنانيون، الذين يسكنون في قلب القلق على المصير في وطنهم الصغير، أن يحددوا «موقعهم» على خريطة بنك أهداف «الضربة» التي ستوجهها أميركا، برئيسها الأسمر ذي الجذور الإسلامية، إلى سوريا التي تجاورهم إلى حد التداخل في الحدود والأنساب والمصالح، بعنوان نظامها «الخارج على الشرعية الدولية»، وبذريعة الانتقام لضحايا الأسلحة الكيماوية.. وإلى أي حد ستصيب ارتداداتها هذا الوطن الصغير.
ومؤكد ان مخاوف اللبنانيين من نتائج «هذه الحرب الأميركية المحدودة»، ثم من تداعياتها على أوضاع بلدهم الجميل المحاصر بالحرب في سوريا وعليها، لن تكون أقل من مخاوف أشقائهم السوريين الذين سيؤدَّبون، مرة أخرى، ولكن «بنيران صديقة»، هذه المرة، تميز في إصاباتها بين «القتلة» وبين «ضحاياهم» الذين يتزايدون على مدار الساعة.
بل ان اللبنانيين يتحسّبون من أن يجدها العدو الإسرائيلي فرصة للانتقام من المقاومة التي واجه مجاهدوها جحافل قواته ببسالة نادرة قبل سبع سنوات فهزموها.
يجيء هذا التطور الدرامي الخطير ليزيد من مرارة اللبنانيين الذين يشعرون بأنهم متروكون للريح، في دولة مستقيلة من مسؤولياتها، بشهادة الفراغ المدوي في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، يضيق عليهم حصار «الأخوة الأغنياء» في مصادر رزقهم، حتى وهم يمنحونهم جهد العقول وعرق الجباه ليبنوا أقطارهم التي استولد معظم دولها الذهب الأسود أو الأبيض، لا فرق.
وبالتأكيد فإن «النقاش» المفتوح باتساع العالم حول حجم «الضربة الأميركية» لسوريا ممثلة بنظامها، مهين ومخزٍ وجارح حتى الإيلام، لا سيما في نسخته العربية.
فالكل ينهش لحم سوريا، بناسها وعمرانها، بتاريخها ودورها في الحضارة الإنسانية وفي النهوض العربي.
وبمعزل عن أخطاء النظام السوري وخطاياه، وهي مميتة، فليس من الوطنية، أو العروبة، أو الشعور الإنساني المجرد، فضلاً عن الشرعية الدولية وما اشتق منها، التهليل ثم ـ وهذا هو الأخطر ـ التبريرات التي تعطى للضربة الأميركية، وكأن أمن الشعوب في دولها رهن الإرادة الأميركية تتصرف معه وبه كما تشاء.
إن الفصحاء في تبرير هذا العدوان الأميركي، الذي تروج له الدوائر السياسية العربية، ومن ضمنها الراحلة العزيزة جامعة الدول العربية، إنما ينهشون لحم سوريا، بل الأمة العربية جميعاً،
بل ان الكل مسلِّم بأن لواشنطن الحق بأن تختار أهدافها في أي بلد في العالم الثالث عموماً، وطليعته الوطن العربي، فتضربها بغض النظر عن كلفة الضربة ضحايا ودماء وعمراناً ومسحاً للتاريخ وللجهد الإنساني الذي بذله الفقراء في بناء بلادهم، قبل دولتهم ومعها، وبغض النظر عن نظامها.
هل نشير إلى أولئك المتلهفين إلى مشاهد الخراب في المؤسسات والمنشآت السورية، يوجهون اللعنات والشتائم إلى أوباما على تردده وتأخره في الأمر بالتدمير، ويتصرفون وكأنهم هم أصحاب القرار، وهم «أسياده»، وانه مجرد منفذ لسياساتهم أو مجرد سلم لوصولهم إلى «السلطة الجديدة»؟!
إن هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم على انهم البديل الديموقراطي للنظام الدكتاتوري القائم وأهله، يتبدون في صورة المتعطشين للدم، ودم أشقائهم في «الوطن» بالذات، والذين لا يمانعون في الوصول إلى السلطة على أكوام من الجماجم متناثرة في الأرض الخراب… وفي هذه الحال، ما الفرق بينهم وبين النظام القائم والذي يتهمونه بارتكاب جرائم إبادة جماعية آخرها القتل بالكيماوي؟!
وفي ما يتصل باللبنانيين فإن أكثريتهم ترى ان هؤلاء المتقدمين لقيادة «سوريا الجديدة»، تحت رعاية الأمير بندر السعودي بعد الشيخ حمد القطري، وبالضربة الأميركية، لا يمكن ان يؤتمنوا على مصير عائلة في قرية بعيدة عن العمران، فكيف ببلاد عظيمة كسوريا؟!
ليس هذا تدخلاً في شؤون سوريا، بنظامها الحاضر أو ببديله العتيد الجاري العمل على صياغته في العواصم البعيدة، ولكنه نوع من الدفاع عن الذات،.. عن أمن لبنان ومصيره، عن أمن المشرق العربي جميعاً، بل عن أمن الأمة العربية كلها.
فالضربة الأميركية لن تفعل إلا توسيع رقعة جبهة القتال، وقد تمدها إلى الأردن ولبنان وفلسطين، لأن سوريا وحلفاءها يقولون إنهم سيتعاملون مع إسرائيل على انها الطرف الرئيسي فيها، المحرض والمساهم والمستفيد.
بل ان المعارضات السورية التي جمعها الأمير بندر تحت لواء زعيمها الجديد المتحدر من قبيلة شمر، التي تنتشر بين الجزيرة العربية والعراق وصولاً إلى سوريا، لا تملك ما تقدمه لشعب سوريا إلا نزعة الثأر ولوثة الدم والتطلع إلى السلطة تحت أية راية…
… على ان لهذه المعارضات معارضات أشرس وقد تكون أقوى «على الأرض»، استقدمها الذهب من بلاد بعيدة وبينها الجماعات الجهادية التي كانت منتشرة في بعض دول أوروبا، وبينها الشيشان وبعض رعايا الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي طرف قوي في الحرب في سوريا وعليها…
وهذا يعني ان «الضربة الأميركية» ستفتح أبواب جهنم في المنطقة جميعاً.
وهذا بالضبط هو المصدر الرئيس للقلق في لبنان وعليه،
ولا يكفي التطمين الأميركي بأنها ستكون «ضربة قوية وخاطفة ولا تستهدف إلا مواقع عسكرية أو إستراتيجية تشكل عصب النظام السوري»، في توطيد الشعور بالأمان في نفوس اللبنانيين.
… حتى لو حمل هذا التطمين تواقيع الذين استمعوا، بالأمس، في جامعة الدول العربية، في القاهرة، إلى خطاب الشمري: ممثل مستقبل سوريا الجديدة!

Exit mobile version