طلال سلمان

وحدة وطنية باهلها

أمر طيب أن تنتبه القيادات الفلسطينية التي تتقاسم السلطة الآن ولو بشكل مجحف إلى بعض البديهيات، فضلاً عن مقتضيات المواجهة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي وبينها:
? إن العصبية التنظيمية لا يجوز أن تلغي المسؤولية الوطنية، فالوطن بشعبه جميعاً وهو ليس ملكاً لحزب أو منظمة أو فصيل، و التنظيم القائد ليس إرثاً أبدياً، وليس مرتبة عليا تجعله فوق أهله يقرّر مصائرهم بغير مشاركتهم، أو خلافاً لإرادتهم أو بتمثل مصالحهم في غيابهم.
? إن المكابرة في عدم الاعتراف بالآخرين أو بالامتناع عن التعاون معهم لا تحصّن السلطة، فضلاً عن أنها تضعف الوطن (والسلطة) في وجه عدوها المتربص بها، والذي لا يفتأ يعمل على إذلالها وتكبير صورة عجزها وبالتالي احتياجها إليه..
يكفي التذكير بأن العدو الإسرائيلي قد استغل هذا الخلاف لاعتقال المجلس التشريعي برئيسه ونوابه والوزراء، وزجّ بهم في السجون، وها هو يقدمهم إلى المحاكمة بتهم ملفقة، ضارباً بالديموقراطية عرض الحائط ومستعيناً بأحقاد المتخاصمين لإضعافهم جميعاً.
فلا العدو سيعوّض السلطة ما تخسره من رصيدها الشعبي ومن ثقة أهلها بها، فضلاً عن أن ضعفها سيجعلها تقبل ما كانت ترفضه وهي محصنة بتأييد أهلها، قوية بإرادة صمودهم واستعدادهم لتحمّل تبعات المواجهة، ولا هو سيكافئها على خروجها على إرادة شعبها، بل هو سيبتزها للمزيد من التنازلات بحيث تصبح أولى بعداء أهلها من عدوها.
? إن التشاطر مع العدو لم يؤد إلا إلى مزيد من الفرقة الداخلية بحيث صار الشعب الفلسطيني أضعف وهذا يزيد من استقواء عدوه عليه، ويمكّنه من فرض المزيد من الشروط المذلّة على السلطة المنقسمة على ذاتها، والتي يُشغل كل طرف فيها نفسه بكيف يحقق النقاط على الطرف الآخر أكثر مما تُشغلهم جميعاً كيفية الوصول إلى مواجهة أقوى وأكثر فعالية لعدوهم جميعاً.
? إن استغلال لقمة الناس في معارك سياسية تحت لافتة الصراع على السلطة من شأنه إسقاط السلطة شعبياً، إذ ستبدو وكأنها تكمل حرب العدو عليه بدلاً من أن تكون قيادة مواجهته لهذا العدو.
ومع أن التفاهم بين رئيس السلطة و حكومة السلطة قد تأخر أكثر مما يجب، وأسهم في إضعاف صمود الفلسطينيين فأساء إلى روحهم المعنوية، بينما حقيقة الأمر أن السلطة الفعلية في يد العدو الذي يعطي لنفسه من صفات الخالق أنه يحيي ويميت، وأنه يمنع الرزق أو يسمح به، وأنه قد ينال بحصار التجويع ما لم يحققه بالقهر بالسلاح، إلا أن حصوله ولو متأخراً أفضل من حالة الشلل التي كانت تعيشها السلطة في مواجهة مهماتها الخطيرة، وأبسطها أن تؤمّن لموظفيها مرتبات الخبز والشاي!
ثم إن استقواء بعض السلطة بعرب السلام لم يقرّب الفلسطينيين من السلام بينما مكّن العدو من أن يستولي على المزيد من أراضيهم، وأن يُسقط من حسابه كل الاتفاقات السابقة (التي لم يكن ينوي تنفيذها) وأن يكمل بناء جدار الفصل العنصري، وأن يسيّر خط الترامواي بين القدس وضواحيها العربية المقرّرة في الاتفاقات للفلسطينيين!
إن تواطؤ عرب السلام مع بعض السلطة لإحراج بعضها الآخر تمهيداً لإخراجه قد أدى إلى إضعاف السلطة جميعاً (والشعب

الفلسطيني) وجعلها تقبل من العدو ما لم تكن لتقبله لو أنها موحّدة.
ومن الصعب قبول التبريرات التي تعطى اليوم للتأخر في اعتماد وثيقة الأسرى كقاعدة للتفاهم الوطني بين السلطة المشروخة رئاسة وحكومة… ولكن يمكن اللجوء دائماً إلى ذخيرة الحِكَم المتوارثة ولو أجنبية وبينها: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.
كذلك فمن الصعب القبول بادعاء النزاهة في دور رئيس الحكومة البريطانية، الذي لا يخفي ولاءه لإسرائيل، في إقناع رئيس السلطة بضرورة الإقدام على التفاهم مع حكومة السلطة حرصاً على الوحدة الفلسطينية… لعله قد أقنعه باعتماد قاعدة أعانق خصمي ولكن لكي أخنقه .
إن التفاهم المباشر بين الأطراف الوطنيين الشركاء في المسؤولية عن قضية عظمى، وعن شعب تجاوز كل ما يحفظه التاريخ من أمثلة على الصمود الوطني وعلى مقاومة الاحتلال وعلى حفظ قضيته، حتى وهو محاصر من أهله قبل عدوه، أقل كلفة على فلسطين كقضية وكمشروع دولة وكسلطة، وأكرم لسلطته بجناحيها من انتظار الوسيط الأجنبي لتحقيق التفاهم الوطني.
وحفظ كرامة الوطن، بمواطنيه الشهداء، من سبق منهم ومن ينتظر، لا يحتاج إلى وسيط أجنبي..
والوحدة الوطنية يصنعها أهلها ولا تأتي في مظروف مقفل من الخارج.. أي خارج.
وهذا ينطبق على فلسطين وعلى العراق، وفي اللحظة الراهنة على لبنان أيضاً!

FacebookTwitterEmailWhatsAppShare
Exit mobile version