طلال سلمان

وحدة نصر نصر وحدة

تبدو فرحتنا بالنصر مهددة حتى وهي لما تكتمل.
كان التقدير أن الوحدة التي تعذّر توطيدها أو بناؤها من حول المقاومة وفيها، ستتحقق من حول النصر، فمن خاف من الثمن قد تغريه المغانم فيجيء ولو متأخرا لينضم الى الركب »الرابح« حتى لا يكون، في عداد الخاسرين.
وكان التقدير ان الخطاب الراقي لقيادة المقاومة، والذي أكد على جملة مبادئ والتزامات أبرزها عدم احتكار النصر، والاعتراف بالآخرين جميعا، من كان رائدا في البدايات ومن انضم ملتحقا عند النهاية، ونبرة المصالحة مع كل الذين لم يتورطوا في علاقة مع العدو، والانسحاب من أمام الدولة، وترك مسألة المتعاملين والمتعاونين للقضاء، وتثبيت التحالفات القائمة والابتعاد عن انتهاز اللحظة لتعديل الموازين والمقاعد…
كان التقدير ان ذلك كله سيساعد على إعادة تجميع المتفرّقين، وإعادة توحيد من باعدت بينهم بل أبعدتهم المصالح او الأغراض أو الحسابات الخاطئة.
وكان التقدير أن النصر الذي يتسع لكل من شارك في صنعه بالجهد أو بالعمل، بالدم أو بالمال، بالسهر على الإنجاز، يتسع أيضا وبطبيعة الحال للذين خارج السلطة، فلا معارضة هنا ولا موالاة..
ولما رفعت الدولة صوتها تدعو المخطئين الى إعلان التوبة، والخارجين من الوطن الى العودة حتى لا يثبتوا على أنفسهم تهمة الخروج عليه، افترض الناس أنهم سيشهدون »انقلابا« سياسيا داخليا ينهي احاديث الاحباط والاستبعاد والاضطهاد والخصومة والمحاسبة والانتقام، فيتلاقى الجميع في أفياء المناخ الصحي الذي أشاعه التحرير ومكنت له في النفوس روح التسامح التي أطلقها التصرف الحضاري الراقي لأهلنا في الجنوب..
كان التقدير أن الخطاب سيختلف مكتسبا نبرة التصالح لحماية الانجاز العظيم الذي اعطى بداية جديدة للبنان جديد، أكثر عافية وأعظم منعة بوحدته في لحظة انتصار على اعدى أعداء وحدته ومنعته وتخلصه من ضعفه المهين بوصفها المصدر الاساسي لقوته!
لكن ما نشهده ونسمعه هذه الأيام يكاد يخيّب الآمال أو يحد منها، وخصوصا أنه يحرك المواجع ويكشف ان وجوه الخلل اكثر خطورة مما يعتقد عامة الناس، وأن المنتفعين بالفرقة والانقسام أقوى تماسكا من أن تؤثر فيهم روح المصالحة وتجديد الدعوى الى التلاقي على هدف سام مثل إعادة بناء الوطن وتحصينه بالوحدة.
ليست هذه دعوة الى طي صفحة الأخطاء بل الخطايا التي لامست في حالات كثيرة حدود الخيانة العظمى، أو التغاضي عمن ساهم في تأسيس »الحقبة الاسرائيلية« وأمّن إدامتها لحوالى ربع قرن، وغطى دورها الاجرامي في الحرب الاهلية وفي إلحاق الاذى بمفهوم الوطن، ومحاولة تدمير الهوية وركائز الالتزام القومي.
لكنها دعوة الى حصر المحاسبة بمن لا بد من محاسبتهم، وإلى حصر القصاص بمن يستحقونه نتيجة تورطهم بالمصلحة السياسية او بالانتفاع، وإلى التسامي والترفع عن توظيف النصر في المخاصمات والحرتقات الانتخابية والمكايدات الشخصية.
لا تنزلوا النصر الى الزواريب فيتوه، ولا تدخلوه »الملفات« فيتعفّن!

Exit mobile version