طلال سلمان

توازن وطني وموازنة خلل اقتصادي

أما وقد ارتاحت الحكومة من آخر »مواجهة« مع السادة النواب على أرض الموازنة التي لا توازن أي جانب في الوضع الاقتصادي المأزوم،
… وارتاح النواب المثقلون بهموم »العودة« إلى مقاعدهم في المجلس الذي نادرا ما يحضر وحجته انه لا يجد حكومة ليحاسبها، بينما تدعي الحكومة انها إنما جاءت وهي باقية ولسوف تستمر بثقته الغالية،
أما وقد تمكن »العقلاء« و»وسطاء الخير« من تسوية مسألة إعدام عقل هاشم، فاسترضوا المقاومة وجمهورها بأن ما قيل في »تأبينه« يدخل في نطاق واجب التعزية بفقيد وليس في نطاق الإشادة بشهيد، مع استمرار الالتباس حول لمن الأسبقية: للطائفة أم للوطن، وبالتالي لرموز الطائفة أم للدولة و»شعبها« الذي يصعب النظر إليه كوحدة لأن ذلك قد يخل بميزان حقوق الطوائف وتراتبيتها داخل »الكيان« والامتيازات والأفضليات داخل نظامه الفريد!
أما وقد ثبت، شرعاً، التمسك بالديموقراطية على الطريقة اللبنانية بحيث »تنتزع« الحكومة »ثقة« المجلس النيابي بقوة وحدة النسب إلى »الأب« الواحد، ثم يستعيد النواب ثقة »الشعب« بهم من خلال إثباتهم حسن السيرة والسلوك خلال الولاية السابقة والتزامهم آداب السلوك بدليل انهم لم يتسببوا في زعزعة الثقة بالليرة، ولم يسهموا في »تطفيش« المستثمرين المتدفقين على لبنان كالسيل، ولم يشاغبوا فيطرحوا الثقة بالحكومة، مثلاً،
… كما ثبت، شرعاً، الالتزام بمقتضيات الوحدة الوطنية على حساب الوطن ووحدته، وأولها اعتبار المراجع الدينية من المقدسات التي لا بد من تقديمها على الأرض، فما تفتي فيه (كالصعود إلى جرود الضنية والخروج على الدولة، أو تجاوز القوانين الوضعية، وبينها قانون العقوبات، في ما يتصل بالتعامل مع العدو) له من المهابة والإجلال ما ليس للدستور..
أما وقد تمّ، بعون الله، ذلك كله، فلا بد من الالتفات الى بعض »التفاصيل« التي كادت تضيع في زحمة التحولات المصيرية المشار إليها آنفاً..
من تلك التفاصيل:
1 ان العمليات الناجحة للمقاومة الباسلة ومجاهديها الابطال قد اعادت، وللمرة الالف، تصحيح جدول الاعمال، رسميا وشعبيا، محددة لمن نسي او تناسى هوية العدو واستمرار الصراع معه طالما استمر الاحتلال.
فمنذ فترة غرق الناس او اغرقوا في وهم »التسوية« القريبة، بل المنجزة والتي لا ينقص لاعلانها غير بعض الشكليات (وبعض التوتر ولا بأس من شيء من الالعاب النارية!!).
ولقد وجد هذا الوهم ليس فقط من يروجه بل ومن يصدقه ايضا، فاندفعت شرائح معينة تمهد لعقد الصفقات مع »اصدقاء قدامى« من رجال الاعمال الاسرائيليين اليوم والذين كانوا »مواطنين لبنانيين« قبل حين من الدهر،
كما وجد من يرفع صوته بالاعتراض على عمليات المقاومة باعتبارها »تخريبا« على التسوية، وكان اخبث المعترضين اولئك المطالبون لقيادات »حزب الله« بحصة أكبر من كعكة المنافع والمصالح في النظام اللبناني، بشرط أن تكون حصتهم دائماً من داخل ما تناله »طائفتهم« وبمعزل عن طبيعة مهمتهم المقدسة:
»المهم ان يحلقوا ذقونهم، وان تتدلى ربطات العنق على صدورهم، وان نتحرر من محاسبتهم اليومية لنا وكأنهم الديان…«.
2 ان ايهود باراك قد بدد بسرعة قياسية الاوهام التي نسجت حول شخصيته الفذة ك»بطل للسلام«، المتعجل اقرار التسوية بدليل انه حدد سلفاً مواعيد الانسحاب من الأرض اللبنانية المحتلة، وانه عاد الى المفاوضات مع سوريا، وانه اتم جلاء جزئيا عن شبرين من أرض الضفة الغربية المحتلة.
وإذا كان باراك قد استغل كرم ضيافة الرئيس المصري حسني مبارك خلال زيارته القاهرة الاسبوع الماضي، فوجه تهديدات علنية الى لبنان والمقاومة فيه، باللغة الانكليزية، فإنه كرر الاستغلال، أمس، في عمان، وبينما هو في ضيافة ملكها عبد الله الثاني فكرر التهديدات للمقاومة ولبنان، انما باللغة العبرانية، هذه المرة.
الاطرف انه وفي الحالين، اطلق التهديدات في مجال تدليله على التزامه بالتسوية على المسارات جميعاً: الفلسطيني، الذي لم تعد تعرف له بداية لتعرف النهاية، والسوري الذي جمده باراك عند »الشكل« بعدما رفض الالتزام بالانسحاب كمدخل الى التسوية العتيدة، في حين ان المسار اللبناني ما زال مجمداً عند التلويح بالانسحاب في تموز المقبل،
3 ان بعض المسؤولين العرب »الكبار« قد استمدوا من »الانحدار العام« شجاعة استثنائية تكفي للتبرع بدور »الوساطة« بين إسرائيل باراك و»الاشقاء العرب«، وذلك بسبب من »العلاقة الحميمة التي تربطنا بمختلف الاطراف«!
ولا جميلة كلينتون!
4 من الضروري اخذ التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان على محمل الجد، لكن هذا يستدعي، حكما، تحصين »الوطن« بجميع ارضه، وجميع ناسه، فلن تميز القذيفة الإسرائيلية بين »جسر ماروني« او »محطة مياه سنية« او »محطة توليد كهرباء شيعية«، او »سيارة كاثوليكية«، او »منزل ارثوذكسي« او »شركة درزية«.
لن توجه إسرائيل نيرانها الى اللبنانيين بحسب طوائفهم،
وهي في الجنوب والبقاع الغربي لا تحتل (مباشرة او بالنار) ارضاً ذات هوية طائفية او مذهبية محددة،
والمقاومة وطنية قومية، تمنح شرفها لكل اللبنانيين ولكل العرب، بمعزل عن انتماءات مجاهديها او المنتسبين اليها ومسانديها بالفكر او بالمال، بالعمل المباشر او بحماية ظهرها من طعنات الغدر التي لا يمكن ان يوجهها اليها الا أولئك الذين خرجوا على اديانهم وعلى وطنهم والتحقوا بالعدو.
انها الحرب مفتوحة، السبب فيها الاحتلال، والوطن فيها، بدولته وشعبه وطليعته المقاومة في حالة دفاع مشروع (دينيا وسياسيا) عن النفس،
والمقاومة مصدر اعتزازنا وشرفنا، وهي أيضا احد مصادر الأمل بتسوية مقبولة، لمن يتعجل التسوية، فلنحمها أقله حتى يتحقق هذا الانجاز العظيم، وبعد ذلك ننظر في امرها وكيف »نتخلص« منها بعد ان اسهمت في تخليصنا من الاحتلال وكابوسه الثقيل!

Exit mobile version