يتصرّف العرب وكأنهم قد نالوا جائزة عظيمة بأكثر مما يطلبون أو يحلمون (؟) عبر فوز إيهود باراك في الانتخابات ثم عبر نجاحه وبعد المشاورات التي امتدت ستة أسابيع في تشكيل حكومته الجديدة!
وهم ينسبون »الفضل« في فوز »بطل السلام« هذا، وهو أكثر الملطخة أيديهم بدماء العرب، إلى إدارة كلينتون، ثم إلى اندحار التطرف في المجتمع الإسرائيلي، وإلى تعاظم دور »قوى الخير« التي يلتقي فيها عتاة المتدينين مع غلاة العلمانيين..
لشدة فرحتهم فقد نسوا أنفسهم كقوة تأثير، وتصرفوا أو أنهم يتصرفون في ذعر من يخاف على اللحظة القدرية أن تضيع، واندفعوا يزحمون روزنامة باراك بمواعيد اللقاء المتعجلة بل والمرتجلة، من دون حد أدنى من التشاور في ما بينهم، ومن دون التدقيق في قدرته وسط حكومته المثقلة بالتناقصات على إعطاء تعهدات واضحة ومن ثم على الالتزام بها.
إنهم مبهورون حتى أنهم لا يرون أو أنهم يتعامون ليس فقط عن التاريخ الشخصي لباراك، كأحد رموز التطرف، بل كذلك عن أن ثلث حكومته ممن كانوا في حكومة سلفه، وقد تزيد النسبة إذا ما نجحت المفاوضات المتجددة مع »ليكود« شارون.
وطريف أن تأتيهم النصيحة بضرورة التروي وعدم الاستعجال من وزير خارجية باراك ومن قبله نتنياهو الليكودي (السابق؟) ديفيد ليفي.
أعجب ما في الأمر أن يرى العرب في حماسة العالم لنجاح باراك تزكية شخصية له وليس لمشروع التسوية، وبالتالي فلهم أن يفيدوا من هذا الرصيد، خصوصا وأنهم كانوا باستمرار مع التسوية، وكانوا باستمرار مرفوضين لا رافضين.
ينسى العرب أن لهم في سقوط نتنياهو دوراً، وفي ضرب »التطرف« في إسرائيل سهماً.
ينسون أنه لولا الصمود العربي، السوري اللبناني أساساً، لما انكشفت أسطورة نتنياهو، وقدرته على فرض »الحل« على العرب بالقوة: يقرر فلا يملكون خياراً غير أن يقبلوا صاغرين.
وينسون أنه لولا الضربات المتوالية التي وجهتها المقاومة الباسلة في لبنان إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي فهزت صورته، وكشفت ارتباكه وعجزه عن حماية نفسه، برغم آلته الحربية الجهنمية والهائلة التفوق، وحرّكت »الشارع« و»الأمهات« داخل الكيان الصهيوني، وفرضت طرح الانسحاب كمطلب إسرائيلي، ومن جانب واحد..
لولا ذلك كله، بتأثيراته عربياً، وقد انعكست لجماً للهرولة وفضحاً لخرافة »الشراكة«، وعلى الموقف الدولي أوروبا بداية ثم الإدارة الأميركية نفسها لكانت سياسة نتنياهو قد فرضت نفسها كأمر واقع، وبررت ذاتها بنجاحها!
المحيِّر أن العرب الذين يخرجون أنفسهم من دائرة »المنتصرين« بسقوط نتنياهو يمشون في زفة المهللين لنجاح باراك وكأنها أعجوبة خارقة جاءت من خارج السياسة.
والمفجع أن معظم العرب قد أعطوا باراك وحكومته من الثقة أكبر مما أعطاه وأعطاها الكنيست الإسرائيلي، وقبله.
… وأنهم فعلوا ذلك فرادى فلم يذهبوا حتى إلى التهنئة بوفد مشترك!
طلال سلمان