طلال سلمان

تطرف بديلا من حوار

كلما تراجعت السياسة، بما هي فن الممكن في مجتمع مكتمل التكوين، زاد التطرف الذي سرعان ما سوف يلجأ إلى السلاح لفرض منطقه على الآخرين… والشعار الديني هو مقبرة الاعتدال، وإعلان إفلاس السياسة المعتمدة.
وكلما تعطل الحوار تزايدت أعداد ضحايا التصادم بين محتكري السلطة بوصفهم الوكيل الوحيد للمصلحة العليا للدولة، وبين محتكري الدفاع عن أصول الدين كمرجعية أخيرة لشؤون الحكم والمحكومين في الدنيا والآخرة!
لا حوار في لبنان بين السلطة البتراء والمعارضة التي تؤخذ عليها قوتها الفائضة عن الحد لمنع مشاركتها في الحكم…
تذهب السلطة البتراء إلى أقصى الأرض تستعدي الدول على شركائها في الوطن، فلا تتورّع عن اتهامهم أمام الأجانب كما أمام العرب العاربة في صدق ولائهم لوطنهم، مدللة على تطرفهم برفضهم التسليم بشروطها لاحتكار السلطة، والتسليم بمرجعية الدول منفردة أو مجتمعة في مجلس الأمن الدولي في كل ما يتصل بالسيادة والحرية والاستقلال والكيان الأبدي السرمدي الذي وُلد قبل أن يبدأ التاريخ!
كيف لا يفسح الشرخ الذي يزداد اتساعاً كل يوم في نمو تيارات التطرف وتعدد راياتها ومصادر تمويلها وتسليحها وتحريضها للتقدم كشريك مضارب ، أو كقوة فصل بين الطرفين المختلفين حتى على البديهيات، من أهل السلطة والمعارضة على حد سواء. إن إفلاس التسويات السياسية يحوّل الهامش الذي كان يعيش فيه التطرف إلى متن، وكلما احتدم الخلاف مقترباً من المواجهة بين السلطة والمعارضة صار التطرف بشعاره الديني مرجعية معتمدة، أحياناً كوسيط نزيه (كما جرت المحاولة البائسة في حرب البارد) أو حتى كبديل!
لا حوار في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي بين السلطة المشروخة سلطتين كلاهما عاجزة وبتراء… ومع انعدام الحوار تدخل الدول ساحة التحريض، فتغري الرئاسة بضرورة حسم الموقف واعدة بدعم غير محدود. وهكذا توفر للطرف الآخر (الحكومة التي خلعت فتمردت وبقيت) الذخيرة التي يحتاجها للحرب على الرئاسة التي تستعين، إضافة إلى الاحتلال، بقوى الكفر والشرك من المرجعيات الدولية، ضد الديموقراطية والمشاركة و.. الدين الحنيف!
… وهكذا تصبح قمة شرم الشيخ عنواناً للتواطؤ العربي الإسرائيلي ضد الحكومة الإسلامية التي انحسرت بالانقلاب فصارت محصورة في غزة… ثم يكتسب هذا الانقلاب بُعده الديني والاستفزازي بالتحالف الأوروبي الأميركي مع الاستسلاميين من العرب ضد الإسلام والمسلمين ، ليس فقط في فلسطين بل في العالم أجمع، من أفغانستان إلى أوروبا، شرقاً وغرباً، وانتهاء بالولايات المتحدة الأميركية.
… وهكذا تسقط السياسة في فلسطين تحت الاحتلال، مخلية المساحة لمباراة مفتوحة بين أهل السلاح! ومفهوم أن الإسرائيلي هو صاحب السلاح الأقوى!
لا حوار في العراق تحت الاحتلال الأميركي بين السلطة البتراء والمسترهنة وبين المعارضة المقاومة المختلفة في ما بينها والمتناحرة بالشعار المذهبي إلى حد الاقتتال المفتوح على جهنم الحرب الأهلية.. مع وعي الجميع أن الاحتلال هو المستفيد الأول والأخير من هذا الاقتتال الذي يدمّر العراق بوحدة شعبه وكيانه السياسي…
ولا سياسة في العراق تحت الاحتلال، ولا حوار سياسياً بطبيعة الحال، والكلمة للسلاح… ومفهوم أن المحتل الأميركي هو الأقوى بسلاحه، وهو المستفيد الأول والأخير من انعدام الحوار.
الأغرب أن المعنيين من الحكام العرب الذين تتزايد قممهم ولقاءاتهم الدورية لا يتحاورون ولا يطلبون الحوار إلا مع العدو الإسرائيلي.. وينسون أهلهم وإخوتهم وأسباب الخلافات في ما بينهم على كل شيء.
فكيف لا يتسع المدى للتطرف ولسلاح المتطرفين: الأبناء الشرعيين لانعدام الحوار الوطني والقومي… وحتى الديني والمذهبي؟

FacebookTwitterEmailWhatsAppShare
Exit mobile version