طلال سلمان

تسوق بين »الدكنجية« تجار

فأما الافتتاح »النظري« لشهر التسوّق فقد تولاه رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون، مطلقا حملة كادت تتجاوز التحذير إلى التشهير بلبنان، دولة وقوى سياسية وشعبا تتعارك فئاته فوق سفينة مثقوبة القعر.
كاد ولفنسون، الذي يتعرض هذه الأيام، لحملة عنيفة تشكك في ذمته المالية وفي كفاءته الإدارية، أن يعلن إفلاس لبنان، وإن كانت الصياغة اتخذت شكل التنبيه والنصح المخلص.
ما علينا، هلّت شمس الأول من شباط وقد غطت اللوحات المبشّرة بخفض الأسعار بين 15 و70 في المئة، واجهات المحال التجارية.
في الليل كان الوزراء المتأنقون قد تلاقوا مع نجوم التحريض على التسوّق في كازينو لبنان، فاستمعوا إلى جمهور من المطربين والمطربات يكاد يفوق عدد المتسوّقين، مما فتح الشهية، فأكل الجميع هنيئا وشربوا مريئا، مطمئنين إلى الوقف بأثر رجعي لضريبة المبيعات المفروضة على الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية.
أما في ساعات النهار فقد توزع »المشترون المفترضون« على اعتصامات الأساتذة الجامعيين والثانويين، وموظفي بعض المصالح المستقلة (المياه)، في حين أقفل الأرمن مراكز تجمعهم في عنجر وبرج حمود وأنحاء أخرى على مطلبهم الحيوي والذي تعذر »تسويقه« حتى الآن، والذي يأملون أن يجد فرصته في هذا الشهر المبارك!
كل شيء أُعد بعناية لإنجاح شهر التسوّق: البضاعة، الباعة، المروّجون، الحسومات العالية، شطب الضرائب، الحفل الفني، الملصقات الدعائية في الداخل والخارج.
لكن ولفنسون اللعين أفسد الموسم الذهبي بتصريحاته التي تقطع الرزق!
ثم ان »عرب الثراء« في الطريق.. لعلهم قد تأخروا قليلا، وهذه عادة متأصلة فيهم، لكنهم بالقطع قادمون، فأين لهم ببضائع كالتي نعرضها عليهم في لبنان بأسعار مسحوقة سحقا… خصوصا وقد أعفيناهم من التأشيرات وتعقيداتها المنهكة!
»شهر التسوّق« يكشف عيوباً بنيوية في عالم التجارة في بلادنا. لعل اللبناني ما زال »دكنجياً« ولم يصبح بعد »تاجراً« بالمعنى العصري. لعله ينسى أن العالم قد بات »قرية كونية«، وأن إزالة الحواجز الجمركية قد أنتجت مفاهيم جديدة للبيع والربح، ولم تعد ثمة أسرار »للصنعة« التي نفاخر بأن أجدادنا العظماء من الفينيقيين قد ابتدعوها.
التسوّق جميل، ولكن أين الليرات أو الدولارات أو اليورو أو حتى الين.. فضلاً عن الدينار والريال والدرهم الذهبي؟!

Exit mobile version