طلال سلمان

ترميم موتمر ممنوع سقوطة

ليس اسهل من ان يتحول مؤتمر الحوار الوطني إلى »شهادة جدارة« للقياديين السياسيين الذين تجاوزوا خلافاتهم بل خصوماتهم التي يتداخل فيها المبدئي بالتكتيكي، والوطني بالطائفي، والمذهبي والعام بالشخصي، وجاؤوا إلى »كلمة سواء« يستنقذون بها الوطن وما بقي من دولته، فضلاً عن ادوارهم في المستقبل.
كذلك، ليس اسهل من تخريب مؤتمر شرطه الأول توافق المختلفين على انعقاده وعلى ان يشاركوا فيه من دون شروط مسبقة… فهو، بطبيعته، حصيلة توازن قوى، وبالتالي فهو هش لمن يرغب في تخريبه، لكن كلفة مثل هذا الخطأ السياسي أثقل من ان يتحملها مرتكبه.
لقد جاء الجميع بالاضطرار أكثر مما بالرغبة، وهم يعرفون سلفاً استحالة ان يحققوا فيه نصراً تعذر عليهم تحقيقه في الشارع، وانه بطبيعته لا يحتمل الحلول الجذرية. ولو كان ممكناً لأي طرف ان يحقق انتصاراً مطلقاً في الخارج لوضع يده على الدولة، ووضع خصومه محاوريه الآن في السجون، أو دفع بهم إلى المنافي، أو تركهم يغرقون في النسيان، إذا ما أخذته بهم الرأفة أو أراد »لانقلابه« ان يكون أبيض.
ان المؤتمر مطلب دولي. هذا صحيح وموثق بعشرات البيانات والتصريحات التي »تورط« في اطلاقها رؤساء ووزراء خارجية لدول كبرى، طالما أعطت نفسها حق رعاية »ثورة الأرز« وتأمين القيامة الجديدة لجمهورية السيادة والاستقلال في عهد ما بعد »الوصاية السورية«.
ثم ان المؤتمر محصن بتأييد عربي مطلق… وإذا كان السفيران المصري والسعودي قد تعبا من جولات النصائح الأخوية، والتنبيه إلى المخاطر، والحض على الهدوء، فإن القيادتين السعودية والمصرية قد تجاوزتا النصيحة إلى الطلب المباشر من كل من سألهما الرأي: الحل في الحوار. تحاوروا تصحوا.
لكن ضمانات النجاح تبقى في أيدي اطراف مؤتمر الحوار اللبنانيين، حتى لو افترض المحللون السياسيون ان كل طرف منهم يستبطن دولة أو أكثر من دولة، عربية أحياناً وغربية غالباً، مع روسيا كقاسم مشترك.
ومستحيل ان تكون اية دولة أجنبية احرص من الأم (الحقيقية) على سلامة وليدها ومنع تقسيمه حصصاً على القوى المختلفة في تقييم الحاضر وفي تصور المستقبل.
قد تكون للدول، وفي مقدمها الأخوة العرب، نصيب في نجاح المؤتمر.. أما الفشل فإن مسؤوليته ستثقل بكلكلها على كواهل الاطراف اللبنانيين..
وإذا كانت غلطة الخرطوم قد قدمت نصراً سهلاً »للخصم« فجعلته، هو الذي ذهب ضعيفاً، يعود قوياً، فالمسؤولية تقع على من تورط في الغلط، سواء بحسن نيته أو بسوء تقديره، وسوء اختياره الميدان الذي يستحيل عليه فيه ان يحقق نصراً ببلاغته اللغوية… ولا سيما ان مقررات القمة تعتمد أولاً وأخيراً على بلاغة اللغة، وفقاً لاصحاب الألقاب: فيكون جلالة السلطان أفصح بالضرورة من فخامة الرئيس، وصاحب السمو أفصح من صاحب الدولة، فكيف إذا كان »صاحب الدولة« ثانياً في وفد لا يتسع إلا لواحد، هو الذي على رأس القمة؟!
المهم، لقد خسر المشاركون في مؤتمر الحوار بعض رصيدهم المعنوي، وبات عليهم ان يعوضوه ما يفتقده الآن من وهج بسبب مواصلتهم حروب ما قبل المؤتمر، التي ثبت انها لن تبدل جذرياً في موازين القوى، ولن تجعل الآن ممكناً ما كان مستحيلاً من قبل… حتى لو حقق هذا الفريق أو ذاك بعض النقاط، نتيجة خطأ في تقدير خصومه.
اللهم إلا إذا كان بعض المؤتمرين يريد ان يجرب، مرة أخرى، السلاح الذي ثبت فشله من قبل: المقاطعة أو القطيعة، ان بذريعة كرامة الطائفة أو بذريعة حقوقها. فما لن يأتي كثمرة للتوافق في هذا المؤتمر لن يمكن تحقيقه في الشارع، وإلا لما كان مؤتمر ولما كان مؤتمرون ينظر إليهم اللبنانيون على انهم مؤتمنون على مستقبلهم، ولسوف يحاسبونهم على هذا الأساس.
جلسة اليوم لها مهمة واحدة: ترميم ما كاد يتهدم في البناء »الوهمي« لهذا المؤتمر الخطير!

Exit mobile version