طلال سلمان

تنصل عربي التزام اميركي

من الصعب محاسبة الدول، ولا سيما الكبرى منها، بمعايير أخلاقية،
وفي حالة العلاقات الخاصة جدù، التي تربط واشنطن وتل أبيب، يتخذ حساب المصالح سياقù آخر انطلاقù من مقولة »إسرائيل هي رأس المصالح الأميركية« في هذه المنطقة من العالم،
وكلما هدّدت سياسة التوسع والهيمنة الإسرائيلية المصالح الأميركية في الأرض العربية، تبرّع »العرب« لتصحيح الميزان، وتطمين واشنطن إلى أنهم سيعوِّضون بسخائهم غير المحدود ذلك الخلل ولو باقتطاع بعض لحومهم!
طبيعي، إذاً، أن يتناقص الالتزام الأميركي بالتعهدات والضمانات التي قدمتها واشنطن، قبل أربع سنوات ثم على امتداد الفترة الفاصلة بين مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، ما دام الأطراف العرب يتبارون في التنازل ويعطون إسرائيل فوق ما حلمت به، وفوق ما »أغرتها« به واشنطن لكي تقبل مبدأ التفاوض على قاعدة »الأرض مقابل السلام«؟!
إنها تأخذ السلام، بالتواقيع الملكية، من غير أن »تخسر« الأرض!
بل هي تمد سيطرتها من الأطراف إلى العواصم، ومن السياسة إلى الاقتصاد، وتتغلغل في ثنايا النخاع الشوكي للحكام والجيوش والأجهزة والسياحة والخدمات، من دون أن يتهدد أمنها الذي يشكل قاعدة السلام بالمنطق الأميركي،
لم تعد إسرائيل جسمù غريبù، ولم تعد »العدو«؛ بل هي باتت الشريك والدولة صاحبة الحق بالرعاية الفضلى، وأكثر من ذلك: باتت الضامن والحامي لبعض الكيانات وبعض الأسر الحاكمة العربية،
بديهي والحالة هذه أن تغدو إسرائيل في مركز قوة استثنائي لدى الأميركيين، وأن يزيد نفوذها إلى حد التأثير جديù على القرار الأميركي، ومن باب أولى على نتائج الانتخابات الأميركية بما يمكّنها من استرهان المرشحين لقيادة العالم من البيت الأبيض.
وقد لا يأسف حكّام العرب كثيرù لانعدام دورهم في الانتخابات الأميركية، وقد كان في وقت ما أكثر من احتمال، لأنهم يعتبرون الانتخابات كلها »مؤامرة« منظمة ضدهم،
لكن الواقع أن ما حققته إسرائيل من أرباح إضافية وقدرة إضافية على التأثير، ليست إلا حصيلة جمع الخسائر العربية، في بلادهم كما في الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن تضاؤل قدرتهم على احتلال موقع »الشريك« بعدما فقدوا شرف »العدو« وما كان يوفره من دور للقادر على القيام بأعباء هذا الدور الخطير.
ما قيمة مجموعة من المستعمرات أو المحميات الإسرائيلية في الأرض العربية في العين الأميركية؟!
وإذا كان قرار هؤلاء قد بات في اليد الإسرائيلية، فلماذا تتوجه إليهم واشنطن، أو غيرها من العواصم، ولماذا تضيّع الوقت في مفاوضتهم أو في مراعاة مصالحهم، حتى لا نقول حقوقهم؟!
وصحيح أن السلطان قابوس لن يغني عن سوريا، ولا »جوهر« جزر القمر سيغني عن لبنان، في إنجاز »العملية السلمية« التي يبدو أنها دخلت في إغماءة طويلة بعدما خدّرتها إسرائيل بالتواقيع العربية المتوالية من أوسلو إلى القاهرة الى وادي عربة فإلى طابا ثم إلى واشنطن مرتين،
.. لكن الصحيح أن تلك التواقيع العربية تتحول تدريجù إلى أسوار منيعة لحماية التوسع الاسرائيلي، وإكمال طوق الحصار على الحصن العربي الأخير ممثلاً بسوريا ولبنان، في آن.
وما دام العرب يأكل بعضهم لحم بعض، علنù وعلى مرأى من المعالم كله، فلماذا مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بالالتزامات والضمانات والتعهدات التي قطعتها على نفسها من أجل جلب العرب إلى مدريد و»مسيرتها السلمية«؟!
بالإمكان الانتظار ريثما يعود »السلام« إلى صفوف العرب أنفسهم،
وفي هذه الأثناء تكمل إسرائيل رحلة الهيمنة بشعارات اقتصادية وتجارية وسياحية من المغرب الأقصى إلى مسقط مرورù بعمان الهاشمية،
لكن هذا كله شيء آخر غير السلام، بل هو نقيض السلام تمامù،
أبسط الأدلة أن إسرائيل لا تقبل الاستسلام العربي إلا عبر »ديموقراطيتها« النموذجية، بينما الموقعون من العرب يهربون من »رعاياهم« الى الحماية الاسرائيلية حتى لا تكون انتخابات ولا حساب ولا أصوات تكشف الغلط أو تعطي للصح معناه.

Exit mobile version